{ مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ * قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ } أي: نصيب من الماء { وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } أي: فاقتنعوا بشربكم ولا تزاحموها على شربها { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي: لعظم ما تسيئون. قال الزمخشري: عظم اليوم لحلول العذاب فيه، ووصف اليوم به أبلغ من وصف العذاب. لأن الوقت إذا عظم بسببه، كان موقعه من العظم أشد { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي: الموعود، وهو أن أرضهم زلزلت زلزلاً شديداً، وجاءتهم صيحة عظيمة { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ * كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } أي: مجاوزون حدّ الحكمة في ترك محل الحرث، الحافظ للنسل، الذي به حفظ النوع البشريّ، وإيثار ما لم يخلق لذلك، شَرَها في الشهوة الحيوانية، ومكافحة لتغيير الأوضاع الربانية. ونقل السيوطيّ في (الإكليل) عن محمد بن كعب القرظيّ، أن معنى الآية: تذرون مثله من المباح. فاستدل بذلك على إباحة وطء الزوجة من دبرها. انتهى. وخالفه غيره؛ فاستدل بها على حظره. وبيانه كما في (الكشاف) و(حواشيه) أنّ { مِّنْ } إِمَّا تبيين لما خلق، أو للتبعيض. ويراد به العضو المباح منهن، تعريضاً بأنهم كانوا يفعلون ذلك بنسائهم. ومن الوجه الثاني يستدل على حظر إتيان المرأة في غير المأتى. وتقريره في (الانتصاف): أن { مِّنْ } لو كانت بياناً لكان المعنى حينئذ على ذمهم بترك الأزواج. ولا شك أن ترك الأزواج مضموم إلى إتيان الذكران. وحينئذ يكون المنكر عليهم الجمع بين ترك الأزواج وإتيان الذكران؛ لا أن ترك الأزواج وحده منكر. ولا كان الأمر كذلك، لكان النصب في الثاني متوجهاً على الجمع. وكان إما الأفصح أو المتعين. وقد اجتمعت العامة - عامة القراء - على القراءة به مرفوعاً ولا يتفقون على ترك الأفصح إلى ما لا مدخل له في الفصاحة، أو في الجواز أصلاً. فلما وضح ذلك تبين أن هذا المعنى غير مراد. فتعين حمل { مِّنْ } على البعضية. فيكون المنكر عليهم أمرين. كل واحد منهما مستقل بالإنكار: أحدهما: إتيان الذكران. والثاني: مجانبة إتيان النساء في المأتى، رغبة في إتيانهن في غيره. وحينئذ يتوجه الرفع لفوات الجمع اللازم على الوجه الأول، واستقلال كل واحد من هاتين العظيمتين بالنكير. انتهى. ومثله من دقيق الاستنباط الذي يوسع المدارك ويفتح للتفهم أبواباً، وإن أمكن أن يقال: إن سياق الآية في الملام لهم، أعمّ مما ذكره ومن غيره. والله أعلم.