الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } أي: في القعود عن الغزو، لضعفهم وعجزهم. وهذه الآية كالتي في سورة الفتح [الآية: 17] وكآية براءةلَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } [التوبة: 91] وهذا ما ذهب إليه عطاء وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وزَعْمُ أنه لا يلائم ما قبله ولا ما بعده، مردود بأن المراد أن كلا من الطائفتين منفي عنه الحرج. ومثال هذا - كما قال الزمخشري: أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في رمضان. وحاج مفرد عن تقديم الحلق على النحر. قلت له: ليس على المسافر حرج أن يفطر، ولا عليك، يا حاج أن تقدم الحلق عن النحر. يعني أنه إذا كان في العطف غرابة، لبعد الجامع في بادئ النظر، وكان الغرض بيان حكم حوادث تقاربت في الوقوع، والسؤال عنها والاحتياج إلى البيان لكونها في معرض الاستفتاء والإفتاء، كان ذلك جامعاً بينها، محسناً للعطف، وإن تباينت.

قال الشهاب: وبهذا يظهر الجواب عن زعم أنه لا يلائم ما قبله ولا ما بعده. لأن ملائمته لما بعده قد عرف وجهها. وأما ملائمته لما قبله فغير لازمة، إذا لم يعطف عليه. انتهى.

وقيل: كان المؤمنون يذهبون بالضعفاء وذوي العاهات إلى بيوت أزواجهم وأولادهم، وإلى بيوت قراباتهم وأصدقائهم، فيطعمونهم منها. فخالج قلوب المطعِمين والمطعَمين ريبة في ذلك. وخافوا أن يلحقهم فيه حرج. وكرهوا أن يكون أكلا بغير حق، لقوله تعالى:وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } [البقرة: 188] فقيل لهم: ليس على الضعفاء، ولا على أنفسكم، يعني عليكم، وعلى مَن في مثل حالكم من المؤمنين، حرج في ذلك.

وقيل: كان هؤلاء يتوقون مجالسة الناس ومواكلتهم، لما عسى يؤدي إلى الكراهة من قبلهم. ولأن الأعمى ربما سبقت يده إلى ما سبقت عين أكيله إليه وهو لا يشعر. والأعرج يتفسح في مجلسه ويأخذ أكثر من موضعه، فيضيق على جليسه. والمريض لا يخلو عن حالة تؤنف.

وقيل: كانوا يخرجون إلى الغزو، ويخلفون الضعفاء في بيوتهم، ويدفعون إليهم المفاتيح، ويأذنون لهم أن يأكلوا من بيوتهم. فكانوا يتحرجون. فقيل: ليس على هؤلاء الضعفاء حرج فيما تحرجوا عنه، ولا عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت.

هذا ما ذكروه. ولا يخفى صدق الآية على جميع ذلك، ونفي الحرج عنه كله. ولا يستلزم نفي الحرج عن مواكلة المريض على هذه الأوجه الأخر، أن يشرك أكيله الصحيح في غمس يده من إنائه مما حظر منه الطب، وغدت الأنفس تعافه. بل يراد به حضوره مع الصحيح على مائدة، واختصاصه بقصعة على حدة. وما أحسن عادة الانفراد بالقصاع، مما تطيب معه نفس المرضى والأصحاء في الاجتماع.

السابقالتالي
2 3