الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ } أي: يقذفون بالزنا { ٱلْمُحْصَنَاتِ } أي: المسلمات الحرائر العاقلات البالغات العفيفات عن الزنا { ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } أي: يشهدون على ما رموهن به { فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } أي: كل واحد من الرامين. وتخصيص النساء لخصوص الواقعة، ولأن قذفهن أغلب وأشنع. وإلا فرق فيه بين الذكر والأنثى { وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً } أي: في أي واقعة كانت، لظهور كذبهم { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي: لخروجهم عما وجب عليهم من رعاية حقوق المحصنات { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي: القذف { وَأَصْلَحُواْ } أي: أعمالهم { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي: بقبول توبتهم وعفوه عنهم.

تنبيهات

الأول: قال ابن تيمية: ذكر تعالى عدد الشهداء وأطلق صفتهم ولم يقيدهم بكونهم (منا) ولا (ممن نرضى) ولا (من ذوي العدل) ولهذا تنازعوا: هل شهادة الأربعة التي لا توجب الحد مثل شهادة أهل الفسوق؟ هل تدرأ الحد عن القاذف؟ على قولين.

أحدهما: تدرأ كشهادة الزوج على امرأته أربعاً. فإنها تدرأ حد القذف ولا توجب الحد على المرأة. ولو لم تشهد المرأة، فهل تحد أو تحبس حتى تقر أو تلاعن، أو يخلى سبيلها؟ فيه نزاع. فلا يلزم من درء الحد عن القاذف، وجوب حد الزنا فإن كلاهما حد. والحدود تدرأ بالشبهات. وأربع شهادات للقاذف شبهة قوية، ولو اعترف المقذوف مرة أو مرتين أو ثلاثاً درئ الحد عن القاذف ولم يجب الحد عليه عند أكثر العلماء ولو كان المقذوف غير محصن، مثل أن يكون مشهوراً بالفاحشة، لم يحد قاذفه حد القذف. ولم يحد هو حد الزنى بمجرد الاستفاضة. وإن كان يعاقب كل منهما دون الحد. ولا يقام حد الزنا على مسلم إلا بشهادة مسلمين. لكن يقال لم يقيدهم بالعدالة، وقد أمرنا الله أن نحمل الشهادة المحتاج إليها لأهل العدل والرضا وهم الممتثلون ما أمر الله به بقوله:كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ } [النساء: 135] الآية وقوله:وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } [الأنعام: 152] وقوله:وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ } [البقرة: 283] وقوله:وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ } [البقرة: 282] وقوله:وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ } [المعارج: 33] فهم يقومون بها بالقسط لله، فيحصل مقصود الذي استشهدوه.

والوجه الثاني: كون شهادتهم مقبولة لأنهم أهل العدل والرضا. فدل على وجوب ذلك في القبول والأداء. وقد نهى الله سبحانه عن قبول شهادة الفاسق بقوله:إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ } [الحجرات: 6] الآية. لكن هذا نص في أن الفاسق الواحد يجب التبين في خبره. وأما الفاسقان فصاعدا. فالدلالة عليه تحتاج إلى مقدمة أخرى، وما ذكره من عدد الشهود لا يتعين في الحكم باتفاق العلماء في مواضع. وعند الجمهور يحكم بلا شهود في مواضع عند النكول والرد ونحو ذلك. ويحكم بشاهد ويمين كما مضت بذلك السنة.

السابقالتالي
2 3 4 5