الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }

{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: منوّرهما بالكواكب وما يفيض عنها من الأنوار. فهو مجاز من إطلاق الأثر على مؤثره. كما يطلق السبب على مسببه. أو مدبرهما، من قولهم للرئيس الفائق في التدبير (نور القوم) لأنهم يهتدون به في الأمور فيكون مجازاً. أو استعارة استعير (النور) بمعنى المنور، للمدبر، لعلاقة المشابهة في حصول الاهتداء. أو موجدهما. فإن النور ظاهر بذاته مظهر لغيره - كما قاله الغزالي - فيكون أطلق عليه تعالى مجازاً مرسلاً باعتبار لازم معناه.

قال أبو السعود: وعبر عن المنوّر بالنور، تنبيها على قوة التنوير وشدة التأثير. وإيذاناً بأنه تعالى ظاهر بذاته، وكل ما سواه ظاهر بإظهاره. كما أن النور نيّر بذاته وما عداه مستنير به. وأضيف (النور) إلى { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } للدلالة على سعة إشراقه. أو المراد بهما العالم كله.

{ مَثَلُ نُورِهِ } أي: صفة نوره العجيبة الشأن. قال أبو السعود: أي: نوره الفائض منه تعالى على الأشياء المستنيرة به وهو القرآن المبين. كما يعرب عنه ما قبله من وصف آياته بالإنزال والتبيين. وقد صرح بكونه نوراً أيضاً في قوله تعالى:وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } [النساء: 174] وبه قال ابن عباس رضي الله عنهما، والحسن، وزيد بن أسلم رحمهم الله تعالى.

{ كَمِشْكَاةٍ } أي: كصفة كوة - طاقة - غير نافذة في الجدار، في الإنارة والتنوير { فِيهَا مِصْبَاحٌ } أي: سراج ضخم ثاقب - شديد الإضاءة - وقيل: المشكاة الأنبوبة في وسط القنديل، والمصباح الفتيلة المشتعلة { ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } أي: قنديل من الزجاج الصافي الأزهر { ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } أي: متلألئ وقَّاد شبيه بالدر في صفائه وزهرته { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ } أي: كثيرة المنافع، بأن رويت فتيلته بزيتها.

{ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ }. أي لا شرقية تقع عليها الشمس وقت الشروق فقط، ولا غربية تقع عليها عند الغروب. ولا تصيبها في الغداة. بل في مكان عليها الشمس مشرقة من أول طلوعها إلى آخر غروبها. كصحراء أو رأس جبل. فزيتها أضوأ: { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } أي: يكاد يضيء بنفسه من غير نار لصفائه ولمعانه.

{ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } أي: ذلك النور الذي عبر به عن القرآن، ومثلت صفته العجيبة بما فضل عن صفة المشكاة. نور عظيم كائن على نور كذلك. فـ (نور) خبر مبتدأ محذوف، والجار متعلق بمحذوف صفة له مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة، والجملة فذلكة للتمثيل، وتصريح لما حصل منه، وتمهيد لما يعقبه. وليس معنى: { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } نور واحد فوق آخر مثله، ولا مجموع نورين اثنين فقط، بل هو عبارة عن نور متضاعف كتضاعف ما مثل به من نور المشكاة بما ذكر.

السابقالتالي
2 3 4