الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } أي: زوجوا من لا زوج له من الأحرار والحرائر، ومن كان فيه صلاح غلمانكم وجواريكم. والخطاب للأولياء والسادات و(الأيامى) جمع أيم. من لا زوجة له أو لا زوج لها. يكون للرجل والمرأة. يقال: آم وآمَتْ وتَأيمَا، إذا لم يتزوجا، بكرين كانا أو ثيبين.

قال أبو السعود: واعتبار الصلاح في الأرقاء، لأن من لا صلاح له منهم، بمعزل من أن يكون خليقاً بأن يعتني مولاه بشأنه، ويشفق عليه، ويتكلف في نظم مصالحه بما لا بد منه شرعاً وعادة، من بذل المال والمنافع. بل حقه ألا يستبقيه عنده. وأما عدم اعتبار الصلاح في الأحرار والحرائر، فلأن الغالب فيهم الصلاح. على أنهم مستبدون في التصرفات المتعلقة بأنفسهم وأموالهم. فإذا عزموا النكاح، فلا بد من مساعدة الأولياء لهم؛ إذ ليس عليهم في ذلك غرامة، حتى يعتبر في مقابلتها غنيمة عائدة إليهم. عاجلة أو آجلة: وقيل: المراد هو الصلاح للنكاح والقيام بحقوقه. وقوله تعالى: { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } إزاحة لما عسى يكون وازعاً من النكاح من فقر أحد الجانبين. أي: لا يمنعن فقر الخاطب أو المخطوبة من المناكحة. فإن في فضل الله عز وجل غنية عن المال. فإنه غاد ورائح. يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب. أو وعد من سبحانه بالإغناء. لكنه مشروط بالمشيئة. كما في قوله تعالى:وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ } [التوبة: 28] { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } أي: غني ذو سعة، لا يرزؤه إغناء الخلائق، إذ لا نفاذ لنعمته ولا غاية لقدرته. { عَلِيمٌ } يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر حسبما تقتضيه الحكمة. انتهى كلام أبي مسعود.

تنبيهات

الأول: الأمر في الآية للندب. لما علم من أن النكاح أمر مندوب إليه. وقد يكون للوجوب في حق الأولياء عند طلب المرأة ذلك.

وفي (الإكليل): استدل الشافعي بالأمر على اعتبار الولي. لأن الخطاب له، وعدم استقلال المرأة بالنكاح. واستدل بعموم الآية من أباح نكاح الإماء بلا شرط، ونكاح العبدة الحرة. واستدل بها من قال بإجبار السيد على نكاح عبده وأمته.

الثاني: قدمنا أن قوله تعالى: { يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } مشروط بالمشيئة. فلا يقال: إنه تعالى لا يخلف الميعاد، وكم من متزوجٍ فقير. والتقييد بالمشيئة بدليل سمعي، وهو الآية المتقدمة. أو إشارة قوله تعالى: { عَلِيمٌ حَكِيمٌ } لأن مآله إلى المشيئة. أو عقلي وهو أن الحكيم لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة.

قال الناصر في (الانتصاف): ولقائل أن يقول: إذا كانت المشيئة هي المعتبرة في غنى المتزوج، فهي أيضاً المعتبرة في غنى الأعزب، فما وجه ربط وعد الغنيّ بالنكاح، مع أن حال الناكح منقسم في الغنى على حسب المشيئة.

السابقالتالي
2