الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } أي: بالتستر والتصون عن الزنا كما تقدم. قال الزمخشري: النساء مأمورات أيضاً بغض الأبصار. ولا يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سرته إلى ركبته. وإن اشتهت غضت بصرها رأساً. ولا تنظر من المرأة إلا إلى مثل ذلك. وغض بصرها من الأجانب أصلا، أولى بها وأحسن. ومنه حديث ابن أم مكتوم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة. فأقبل ابن أم مكتوم. وذلك بعد أن أُمِرْنا بالحجاب: فدخل علينا. فقال: احتجبا. فقلنا: يا رسول الله! أليس أعمى لا يبصرنا! قال: أفعميَاوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ " وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وصححه.

{ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قال الزمخشري: الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب: فما كان ظاهراً منها، كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب، فلا بأس بإبدائه للأجانب. وما خفي منها كالسوار والخلخال، والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط، فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين. وذكر الزينة دون مواقعها، للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر. لأن هذه الزِّيَن واقعة على مواضع من الجسد، لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء. وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن. فنهى عن إبداء الزِّيَن نفسها ليعلم أن النظر إذا لم يحل لها لملابستها تلك المواقع، بدليل أن النظر لها غير ملابسة لها، لا مقال في حله - كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكناً في الحظْر ثابت القدم في الحرمة، شاهداً على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها.

فإن قلت: لم سومح مطلقاً في الزينة الظاهرة؟ قلت: لأن سترها فيه حرج. فإن المرأة لا تجد بدّاً من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها، خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح. وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها. وخاصةً الفقيرات منهن. وهذا معنى قوله تعالى: { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } يعني: إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره، والأصل فيه الظهور. انتهى.

وقال السيوطي في (الإكليل): فسر ابن عباس قوله تعالى: { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } بالوجه والكفين، كما أخرجه ابن أبي حاتم. فاستدل به من أباح النظر إلى وجه المرأة وكفيها، حيث لا فتنة. ومن قال: إن عورتها ما عداهما. وفسره ابن مسعود بالثياب، وفسر الزينة بالخاتم والسوار والقرط والقلادة والخلخال. أخرجه ابن أبي حاتم أيضاً. فهو دليل لمن لم يجز النظر إلى شيء من بدنها، وجعلها كلها عورة { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } أي: وليسترن بمقانعهن، شعورَهن وأعناقهن وقرطهن وصدورهن، بإلقائها على جيوبهن أي: مواضعها، وهي النحر والصدر.

السابقالتالي
2 3 4