الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

{ ٱلْخَبِيثَاتُ } أي: من النساء { لِلْخَبِيثِينَ } أي: من الرجال { وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ } أي: بحيث لا يكاد يتجاوز كلُّ واحد إلى غيره. و(الطيب) ضد الخبيث وهو الأفضل من كل شيء والأحسن والأجود. قال أبو السعود: وحيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب الأطيبين، وخيرة الأولين والآخرين، تبين كون الصديقة رضي الله عنها من أطيب الطيبات بالضرورة. واتضح بطلان ما قيل في حقها من الخرافات، حسبما نطق به قوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } وهو الجنة. وبهذه الآية تم نبأ أهل الإفك.

واعلم أن ما اشتملت عليه الآيات من الأحكام والفوائد والمطالب والآداب، لا تفي بها مجلدات. إلا أنا نشير إلى شيء من ذلك، نقتبسه من أهم المراجع، تتميما لما أجملناه في تأويلها.

فالأول: أن نبأ الإفك كان في غزوة المريسيع (تصغير مرسوع، بئر أو ماء لخزاعة) وكانت في شعبان سنة خمس. وسببها أنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن الحارث بن أبي ضرار، سيد بني المصطلق سار في قومه ومن قدر عليه من العرب يردي حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من أصحابه. وخرج معهم جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها، فأغار عليهم. فسبي ذراريهم وأموالهم. وكانت عائشة رضي الله عنها قد خرجت معه، عليه الصلاة والسلام، في هذه الغزوة , بقرعة أصابتها. وكانت تلك عادته مع نسائه. فلما رجعوا من الغزوة، نزلوا في بعض المنازل فخرجت عائشة لحاجتها ففقدت عقداً لأختها كانت أعارتها إياه. فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدته فيه في وقتها. فجاء النفر الذين كانوا يرحلون هودجها، فظنوها فيه، فحملوا الهودج، ولا ينكرون خفته، لأنها رضي الله عنها كانت فتية السن لم يغشها اللحم الذي كان يثقلها. وأيضاً، فإن النفر لم تساعدوا على حمل الهودج، لم ينكروا خفته. ولو كان الذي حمله واحدا أو اثنين لم يخف عليهما الحال. فرجعت عائشة إلى منزلهم وقد أصابت العقد، فإذا ليس لها داع ولا مجيب. فقعدت في المنزل، وظنت أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها. والله غالب على أمره، يدبر الأمر فوق عرشه كما يشاء فغلبتها عيناها فنامت فلم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المعطل (بفتح الطاء المشددة سلمى ذكواني صحابي فاضل متقدم الإسلام): إنا لله وإنا إليه راجعون. زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان صفوان قد عرس في أخريات الجيش لأنه كان كثير النوم كما جاء عنه في صحيح أبي حاتم وفي السنن. فلما رآها عرفها. وكان يراها قبل نزول الحجاب. فاسترجع وأناخ راحلته، فقربها إليها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد