الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ }

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا } أي: الداعي إلى عبادة الله وحده. بدعوى الرسالة منه { إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أي: أن يطلب الفضل عليكم ويرأسكم، كقوله تعالى:وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ } [يونس: 78] { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } أي: إرسال رسول { لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } أي: من السماء { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } أي: بمثل ما يدعو إليه { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ } أي: لعله يرجع أو يفيق من جِنته أو يتمادى فنكيد له.

قال الرازي: واعلم أنه سبحانه ما ذكر الجواب عن شبههم هذه الخمسة، لركاكتها ووضوح فسادها. وذلك لأن كل عاقل يعلم أن الرسول لا يصير رسولاً إلا لأنه من جنس الملك. وإنما يصير كذلك بأن يتميز من غيره بالمعجزات. فسواء كان من جنس الملك أو جنس البشر، فعند ظهور المعجز عليه يجب أن يكون رسولاً. بل جعلُ الرسول من جملة البشر أولى. لما مر بيانه في السورة المتقدمة. وهو أن الجنسية مظنة الألفة والمؤانسة. وأما قولهم: { يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } فإن أرادوا به إرادته لإظهار فضله، حتى يلزمهم الانقياد لطاعته، فهذا واجب على الرسول. وإن أرادوا به أن يرتفع عليهم على سبيل التجبر والتكبر والانقياد، فالأنبياء منزّهون عن ذلك. وأما قولهم: { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } فهو استدلال بعدم التقليد، على عدم وجود الشيء. وهو في غاية السقوط، لأن وجود التقليد لا يدل على وجود الشيء. فعدمه من أن يدل على عدمه؟ وأما قولهم: { بِهِ جِنَّةٌ } فقد كذبوا، لأنهم كانوا يعلمون بالضرورة كمال عقله. وأما قولهم: { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ } فضعيف، لأنه إن ظهرت الدلالة على نبوته وهي المعجزة، وجب عليهم قبول قوله في الحال، ولا يجوز توقيف ذلك إلى ظهور دولته. لأن الدولة لا تدل على الحقيقة. وإن لم يظهر المعجز لم يجز قبول قوله، سواء ظهرت الدولة أو لم تظهر. ولما كانت هذه الأجوبة في نهاية الظهور، لا جرم تركها الله سبحانه. انتهى.