الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } * { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } * { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } * { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } * { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }

{ وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ } أي: من العذاب { لَقَادِرُونَ } أي: وإنما نؤخره لحكمة بلوغ الكتاب أجله { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي: بالخلة التي هي أحسن الخلال، وهو العفو والصفح { ٱلسَّيِّئَةَ } يعنى أذى المشركين { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } أي فسيرون جزاءه { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } أي: وساوسهم المغرية على الباطل والشرور والفساد، والصد عن الحق { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } أي: يحضروني في حال من الأحوال { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } أي: حتى إذا احتضر وشاهد أمارات العذاب، وعاين وحشة هيئات السيئات، تمنى الرجوع، وأظهر الندامة، ونذر العمل الصالح في الإيمان الذي ترك. وقوله تعالى: { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ } يعني قوله: { رَبِّ ٱرْجِعُونِ... } الخ { هُوَ قَآئِلُهَا } أي: لا يجاب إليها ولا تسمع منه، يعني أنه لم يحصل إلا على الحسرة والندامة، والتلفظ بألفاظ التحسر والندم، والدعوة دون المنفعة والفائدة والإجابة. والآية نظيرها قوله تعالى:وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [المنافقون: 10] { وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي: حائل يحول بينهم وبين الرجعة، يلبثون فيه إلى يوم القيامة.

لطيفة

الواو في { ٱرْجِعُونِ } قيل لتعظيم المخاطب وهو الله تعالى، وردَّه ابن مالك بأنه لا يعرف أحداً يقول: (رب ارحموني، ونحوه) لما فيه من إيهام التعدد. مدفوع بأنه لا يلزم من عدم صدوره عنا كذلك، ألا يطلقه الله تعالى على نفسه، كما في ضمير المتكلم. وقيل إنه لتكرير قوله: (ارجعني) كما قيل في (قفا) و(أطرقا) إن أصله (قف قف) على التأكيد، وبه فسر قوله تعالى:أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } [ق: 24] قال الشهاب: فيكون من باب استعارة لفظ مكان آخر لنكتة، بقطع النظر عن معناه، وهو كثير في الضمائر. كاستعمال الضمير المجرور الظاهر مكان المرفوع المستتر في (كفى به) حتى لزم انتقاله عن صفة إلى صفة أخرى، ومن لفظ إلى آخر. وما نحن فيه من هذا القبيل. فإنه غيِّر الضميران المستتران إلى ضمير مثنى ظاهر. فلزم الاكتفاء بأحد لفظي الفعل، وجعل دلالة الضمير على المثنى على تكرير الفعل، قائماً مقامه في التأكيد، من غير تجوز فيه ولابن جني في (الخصائص) كلام يدل على ما ذكرناه. انتهى.