الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } * { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ }

{ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } أي: يجادل في شأنه تعالى من غير تمسك بعلم ضروري، ولا باستدلال ونظر صحيح، يهدي إلى المعرفة. ولا بوحي مظهر للحق. أي: بل بمجرد الرأي والهوى. وهذه الآية في حال الدعاة إلى الضلال من رؤوس الكفر المقلدين - بفتح اللام - كما أن ما قبلها في حال الضلال الجهال المقلدين - بكسر اللام - فلا تكرار أو أنهما في الدعاة المضلين واعتبر تغاير أوصافهم فيها، فلا تكرار أيضاً.

قال في (الكشف): والأول أظهر وأوفق بالمقام. وكذا اختاره أبو مسلم فيما نقله عنه الرازي، ثم قال: فإن قيل كيف يصح ما قلتم، والمقلد لا يكون مجادلا؟ قلنا: قد يجادل تصويبا لتقليده. وقد يورد الشبهة الظاهرة إذا تمكن منها، وإن كان معتمده الأصلي هو التقليد. وقوله: { ثَانِيَ عِطْفِهِ } حال من فاعل (يجادل) أي: عاطفا لجانبه إعراضاً واستكباراً عن الحق، إذا دعي إليه.

قال الزمخشري: ثنى العطف عبارة عن الكبر والخيلاء. كتصعير الخد، وليّ الجيد.

وقوله: { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: ليصد عن دينه وشرعه، متعلق بـ (يجادل) علة له { لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } أي: إهانة ومذلة، كما أصابه يوم بدر من الصغار والفشل { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي: النار المحرقة { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } على الالتفات، أو إرادة القول. أي: يقال له يوم القيامة: ذلك الخزي والتعذيب بسبب ما اقترفته من الكفر والضلال والإضلال. وإسناده إلى (يديه)، لما أن الاكتساب عادة يكون بالأيدي { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ } أي: بل هو العدل في معاقبة الفجار، وإثابة الصالحين.