الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } * { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }

{ ثُمَّ } أي: بعد الذبح { لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } أي: ليؤدوا إزالة وسخهم من الإحرام، بالحلق والتقصير وقص الأظفار ولبس الثياب { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } أي: ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } أي: طواف الإفاضة. وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج. ويقع به تمام التحلل. و(العتيق) القديم. لأنه أول بيت وضع للناس. أو المعتق من تسلط الجبابرة { ذٰلِكَ } خبر محذوف. أي: الأمر ذلك. وهو وأمثاله من أسماء الإشارة، تطلق للفصل بين الكلامين، أو بين وجهي كلام واحد. قال الشهاب: والمشهور في الفصل { ـٰذَا } كقوله:هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } [صّ: 55]، واختيار (ذلك) هنا لدلالته على تعظيم الأمر وبعد منزلته. وهو من الاقتضاب القريب من التخلص، لملائمة ما بعده لما قبله، كما هنا { وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ } أي: أحكامه. أو الحرم وما يتعلق بالحج من المناسك و(الحرمات) جمع حرمة وهو ما لا يحل هتكه، بل يحترم شرعاً { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } أي: ثواباً. و(خير) اسم تفضيل حذف متعلقه. أي: من غيره، أو ليس المراد به التفضيل فلا يحتاج لتقدير، قاله الشهاب. والثاني هو الأظهر، لأنه أسلوب التنزيل في موضع لا يظهر التفاضل فيها. وإيثاره، مع ذلك، لرقة لفظه، وجمعه بين الحسن والروعة { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي: آية تحريمه. وذلك قوله في سورة المائدةحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ } [المائدة: 3] والمعنى: أن الله قد أحل لكم الأنعام كلها، إلا ما استثناه في كتابه. فحافظوا على حدوده. وإياكم أن تحرموا مما أحل لكم شيئاً. كتحريم عبدة الأوثان البحيرة والسائبة وغير ذلك. وأن تحلوا مما حرم الله. كإحلالهم أكل الموقوذة والميتة وغير ذلك. أفاده الزمخشري.

{ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } تفريع على ما سبق من تعظيم حرماته تعالى. فإن ترك الشرك واجتناب الأوثان من أعظم المحافظة على حدوده تعالى. و(من) بيانية. أي: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان، كما تجتنب الأنجاس. وهو غاية المبالغة في النهي عن تعظيمها والتنفير عن عبادتها. قال الزمخشري: سمى الأوثان رجساً وكذلك الخمر والميسر والأزلام، على طريق التشبيه. يعني أنكم، كما تنفرون بطباعكم عن الرجس وتجتنبونه، فعليكم أن تنفروا عن هذه الأشياء مثل تلك النفرة. ونبه على هذا المعنى بقوله:رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ } [المائدة: 90]، جعل العلة في اجتنابه أنه رجس، والرجس مجتنب.

وقوله تعالى: { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } تعميم بعد تخصيص. فإن عبادة الأوثان رأس الزور. كأنه لما حث على تعظيم الحرمات، أتبعه ذلك، ردّاً لما كانت الكفرة عليه من تحريم البحائر والسوائب. وتعظيم الأوثان والافتراء على الله تعالى بأنه حكم بذلك، وإعلاماً بأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه، وصدق القول، أعظم الحرمات وأسبقها خطوّاً { حُنَفَآءَ للَّهِ } مخلصين له الدين، منحرفين عن الباطل إلى الحق { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } أي: شيئاً من الأشياء.

السابقالتالي
2 3