الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }

{ بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ } إضراب عن اتخاذ اللهو بل عن إرادته. وتنزيه منه لذاته العلية كأنه قال: سبحاننا أن نتخذ اللهو واللعب أو نريده، بل من شأننا أن ندحض الباطل بالحق { فَيَدْمَغُهُ } أي: يمحقه بالكلية كما فعلنا بأهل القرى المحكية { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } أي: هالك بالكلية. وقد استعير لإرسال الحق على الباطل (القذف) الذي هو الرمي الشديد بالجرم الصلب كالصخرة. ولمحقه للباطل (الدمغ) الذي هو كسر الشيء الرخو الأجوف. وهو الدماغ بحيث يشق غشاءه المؤدي إلى زهوق الروح، استعارة تصريحية تبعية. ويصح أن يكون تمثيلا لغلبة الحق على الباطل حتى يذهبه، برمي جرم صلب على رأس دماغها رخو ليشقه، وذكر { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ } لترشيح المجاز. لأن من رمى فدمغ تزهق روحه. فهو من لوازمه. قال أبو السعود: وفي (إذا) الفجائية والجملة الاسمية من الدلالة على كمال المسارعة في الذهاب والبطلان، ما لا يخفى، فكأنه زاهق من الأصل وفي الآية إيماء إلى علوّ الحق وتسفل الباطل. وأن جانب الأول باقٍ والثاني فانٍ { مِمَّا تَصِفُونَ } أي: مما تصفونه به من اتخاذ الولد ونحوه، مما تتنزه عظمته عنه. ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له، ودأبهم في طاعته ليلاً ونهاراً، وبراءتهم من البُنُوَّة المفتراة عليهم، إثر إخباره عن ملكه للخلق كافة، بقوله: { وَلَهُ مَن فِي... }.