الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } * { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } * { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

{ قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي: ما يوحى إليّ، إلا استئثاره تعالى بالوحدانية في الألوهية. ومعنى القصر على ذلك: أنه الأصل الأصيل، وما عداه راجع إليه وغير منظور إليه في جنبه. فهو قصر دعائيّ { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } أي: منقادون لما يوحى من التوحيد، مستسلمون له { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي: عن التوحيد { فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } أي: أعلمتكم وهديتكم على كلمة سواء بيننا وبينكم، نؤمن بها ونجني ثمرات سعادتها في الدارين. أو المعنى: دللتكم على صراط مستقيم، وبلغتكم الأمر به. فإن آمنتم به فقد سعدتم، وإلا فإن وعد الجاحدين آتيكم، وليس بمصروف عنكم. وإن كنت لا أدري متى يكون ذلك؛ لأن الله تعالى لم يعلمني علمه، ولم يطلعني عليه كما قال { وَإِنْ أَدْرِيۤ } أي: وما أدري { أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } أي: من الفتح عليكم، وإيراث أرضكم غيركم، ولحوق الذل والصغار بعصيانكم { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } أي: فسيجزيكم على ذلك { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ } أي: وما أدري لعل تأخير جزائكم استدراج لكم، وزيادة في افتتانكم، أو ابتلاء لينظر كيف تعملون. فـ (الفتنة) إما مجاز عن الاستدراج بذكر السبب وإرادة المسبب، أو هو بمعناه الأصليّ. فهو استعارة مصرحة. وقول تعالى: { وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } أي: تمتيع لكم إلى أجل مقدور. والتمتيع بمعنى الإبقاء: والتأخير { قَالَ } وقرئ: (قُل) { رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } أي: افصل بيننا وبينهم بالحق. وذلك بنصر من آمن بما أنزلت، على من كفر به، كقوله تعالى:رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [الأعراف: 89]، { وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } أي: من الكذب والافتراء على الله ورسوله. بنصر أوليائه، وقهر أعدائه. وقد أجاب سبحانه دعوته، وأظهر كلمته، فله الحمد في الأولى والآخرة، إنه حميد مجيد.

قال الرازيّ: قال القاضي: إنما ختم الله هذه السورة بقوله: { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } لأنه عليه السلام كان قد بلغ في البيان لهم الغاية. وبلغوا النهاية في أذيته وتكذيبه. فكان قصارى أمره تعالى بذلك تسليةً له وتعريفاً أن المقصود مصلحتهم. فإذا أبوا إلا التمادي في كفرهم، فعليك بالانقطاع إلى ربك، ليحكم بينك وبينهم بالحق. إما بتعجيل العقاب بالجهاد أو بغيره. وإما بتأخير ذلك. فإن أمرهم وإن تأخر فما هو كائن قريب. وما روي أنه عليه السلام كان يقول ذلك في حروبه، كالدلالة على أنه تعالى أمره أن يقول هذا القول، كالاستعجال للأمر بمجاهدتهم. وبالله التوفيق.