الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } * { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }

{ يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ } أي: اذكره. أو ظرف لـ { لاَ يَحْزُنُهُمُ } أو لـ { تَتَلَقَّاهُمُ }. والطيّ ضد النشر. وقوله: { كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } أي: كما يطوي السجل وهو الكتاب. واللام في { لِلْكُتُبِ } لام التبيان. ولذلك قرئ { ٱلْكِتَابُ } بالإفراد. أو بمعنى (من) وفيه قرب من الأول. أو (الكتب) بمعنى المكتوب. أي: كطي الصحيفة على مكتوبها. فاللام بمعنى (على) وهو ما اختاره ابن جرير.

تنبيه

ما نقل عن ابن عباس أن السجل اسم رجل كان يكتب للنبيّ صلوات الله عليه، كما رواه أبو داود والنسائيّ وغيرهما، فأثر منكر لا يصح.

قال ابن كثير: وقد صرح بوضعه جماعة من الحفاظ، وإن كان في سنن أبي داود. منهم شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزيّ.

وكذلك تقدم في رده الإمام ابن جرير وقال: لا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل. وكُتَّابُ النبيّ صلوات الله عليه، معروفون، وليس فيهم أحد اسمه السجل.

وصدق رحمه الله في ذلك. وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث.

وأما من ذكره في أسماء الصحابة، فإنما اعتمد على هذا الحديث. والصحيح عن ابن عباس أن السجل هي الصحيفة. انتهى.

هذه الآية:وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الزمر: 67] وطي السماء: كناية عن انكدار نجومها، ومحو رسومها بفساد تركيبها واختلال نظامها. فلا يبقى أمر ما فيها من الكواكب على ما نراه اليوم. فيخرب العالم بأسره.

{ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } أي: منجزين إياه. ثم أشار إلى تحقيق مصداقه، بإعزاز المنبئ عنه، وإيراثه ملك جاحده بقوله تعالى: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } أي: العاملون بطاعته. المنتهون إلى أمره ونهيه. دون العاملين منهم بمعصيته، المؤثرين طاعة الشيطان على طاعته. و { ٱلزَّبُورِ } علم على كتاب داود عليه السلام، ويقال المراد به: كل كتاب منزل. والذكر - قالوا - التوراة أو أم الكتاب. يعني اللوح الذي كتب فيه كل شيء قبل الخلق، والله أعلم. وقوله تعالى: { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } إشارة إلى المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة. أو إلى العبرة في إيراث الأرض الصالحين ودحر المجرمين. و(البلاغ) الكفاية. وقوله: { لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } أي: يعبدون الله، بما شرعه وأحبه ورضيه. ويؤثرون طاعته على طاعة الشياطين وشهوات النفس { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } أي: وما أرسلناك بهذه الحنيفية والدين الفطريّ، إلا حال كونك رحمة للخلق، فإن ما بعثت به سبب لسعادة الدارين. وفي جعله نفس الرحمة مبالغة جلية. وجوز كون { رَحْمَةً } مفعولاً له. أي: للرحمة، فهو نبيّ الرحمة.

السابقالتالي
2