الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } * { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } * { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ }

{ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ } أي: مقدماً لهم النصح والإنذار؛ لينقطع عذرهم { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي: لا تخيلوا للناس بأعمالكم، إيجاد أشياء لا حقائق لها، وأنها مخلوقة وليست مخلوقة. فتكونوا قد كذبتم على الله تعالى: { فَيُسْحِتَكُم } أي: يستأصلكم { بِعَذَابٍ } أي: هائل لغضبه عليكم { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ * فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ * قَالُوۤاْ } أي: بطريق التناجي والإسرار { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } أي: بمذهبكم الأفضل. وهو ما كانوا عليه. يعنون أن قصد موسى وهارون هو عزل فرعون عن ملكه، بجعله عبدا لغيره، واستقرارهما في مكانه، وجعل قومهما مكانكم. وإلجائكم إلى مبارحة أرضكم، وإبطال طريقتكم بسحرهما الذي يريدان إعجازكم به. و { ٱلْمُثْلَىٰ } تأنيث الأمثل، بمعنى: الأفضل. ودعواهم ذلك، لأن كل حزب بما لديهم فرحون.

لطيفة

في قوله تعالى: { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } قراءات:

الأولى: { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } بتشديد النون من { إِنَّ } و { هَذَيْنِ } بالياء وهي قراءة أبي عمرو، وهي جارية على السَّنَنِِ المشهور في عمل { إِنَّ }.

والثانية: { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } بتحفيف { إِنَّ } وإهمالها عن العمل، كما هو الأكثر فيها إذا خففت. وما بعدها مرفوع بالابتداء والخبر. واللام لام الابتداء فرقاً بينها وبين النافية. ويرى الكوفيون أن اللام هذه بمعنى (إِلاَّ) و { إِنْ } قبلها نافية، واستدلوا على مجيء اللام للاستثناء بقوله:
أمس أبانُ ذليلاً بعد عِزَّتِهِ   وما أبانُ لَمِنْ أعلاج سُودَانِ
والثالثة: { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } بتشديد { إِنَّ } و { هَـٰذَانِ } بالألف.

وخرّجت على أوجه:

أحدها: موافقة لغة من يأتي في المثنى بالألف في أحواله الثلاث. وهم بنو الحارث بن كعب وخثعم وَزُبَيْد وكنانة وآخرون. قال قائلهم:
تَزَوَّدَ مِنَّا بين أُذْنَاهُ طَعْنَةً   
وقال آخر:
إنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا   قد بلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
ثانيها: إِنَّ (إِنَّ) بمعنى (نعم) حكاه المبرد. واستدل بقول الراجز:
يا عمر الخير جُزِيتَ الجَنَّهْ   اكسُ بُنَيَّاتي وَأُمَّهُنَّهْ
وَقُلْ لَهُنَّ: إِنَّ أَنَّ إِنَّهْ   أُقْسِمُ باللهِ لَتَفْعَلَنَّهْ
وقول عبد الله بن قيس الرُّقَيَّات:
ويَقُلْنَ شيب قد علا   ك وقد كَبرْتَ فقلتُ إِنَّهُ
وردَّ على المبرد أبو علي الفارسيّ، بأنه لم يتقدم ما يجاب بـ (نعم) وأجاب الشمنّي، بأن التنازع فيما بينهم، وإسرار النجوى، يتضمن استخبار بعضهم من بعض. فهو جواب للاستخبار الضمنيّ. ولا يخفى بعده. فإن إسرار النجوى فيما بينهم ليس في الاستخبار عن كونهما ساحرين، بل هم جزموا بالسحر فقالوا:أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ } [طه: 57] ثم أسروا النجوى فيما يغلبان به موسى. إلا أن يقال: محطّ الجواب قوله:فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } [طه: 64] الخ، وما قبله توطئة. وقد رد في (المغني) هذا التخريج؛ بأن مجيء (نعم) شاذ حتى نفاه بعضهم. ومنعه الدمامينيّ؛ بأن سيبويه والحذّاق حكوه عن الفصحاء.

السابقالتالي
2