الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ }

{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } أي: أصنافاً من الكفرة { زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي: زينتها. منصوب على البدلية من { أَزْوَاجاً } أو بـ { مَتَّعْنَا } على تضمينه معنى: أعطينا وخولنا { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي: لنختبرهم فيما متعناهم به من ذلك ونبتليهم. فإن ذلك فانٍ وزائل، وغرور وخدع تضمحل.

قال أبو السعود: { لِنَفْتِنَهُمْ } متعلق بـ { مَتَّعْنَا } جيء به للتنفير عنه ببيان سوء عاقبته مآلاً، إثر إظهار بهجته حالاً. أي: لنعاملهم معاملة من يبتليهم ويختبرهم فيه. أو لنعذبهم في الآخرة بسببه { وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي: ثوابه الأخرويّ خير في نفسه مما متعوا به وأدوم، كقوله تعالى:ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } [القصص: 80] أو المعنى ما أوتيت من النبوة والهدى، خير مما فتنوا به وأبقى، لأنه لا مناسبة بين الهدى الذي تتبعه السعادة في الدارين، وبين زهرة يتمتع بها مدة ثم تذبل وتفنى. وفي التعبير بـ (الزهرة) إشارة لسرعة الاضمحلال، فإن أجلها قريب.

ومن لطائف الآية ما قاله الزمخشريّ رحمه الله، ونصه: مد النظر: تطويله وأن لا يكاد يرده استحساناً للمنظور إليه، وإعجاباً به وتمنياً أن يكون له. كما فعل نظارة قارون حين قالوا:يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [القصص: 79] حتى واجههم أولوا العلم والإيمان بـوَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } [القصص: 80].

وفيه: أن النظر غير الممدود معفوّ عنه. وذلك مثل نظر من بَادَهَ الشيء بالنظر ثم غض الطرف. ولما كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطباع، وإن من أبصر منها شيئاً أحب أن يمد إليه نظره ويملأ منه عينيه، قيل: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ }. أي: لا تفعل ما أنت معتاد له وضارٍ به. ولقد شدد العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة، وعُدَد الفسقة في اللباس والمراكب وغير ذلك، لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة، فالناظر إليها محصل لغرضهم، وكالمغري لهم على اتخاذها.

وقوله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ... }.