الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ }

{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } من المعجزات لأنه إخبارٌ بالغيب. وكان كما أخبر به، كقوله:وَلَن تَفْعَلُواْ } [البقرة: 24] { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } بما أسلفوا من أنواع العصيان، واليد مجاز عن النفس، عبّر عنها لأنها من بين جوارح الإنسان، مناط عامة صنائعه. ولذا كانت الجنايات بها أكثر من غيرها، ولم يجعل المجاز في الإسناد، فيكون المعنى بما قدموا بأيديهم، ليشمل ما قدموا بسائر الأعضاء { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } أي: بهم، تذييل للتهديد، والتنبيه على أنهم ظالمون في دعوى ما ليس لهم، ونفيه عمن سواهم، ونظير هذه الآية في سورة الجمعة قوله تعالى:قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } [الجمعة: 6-7].

وقد تلطف الغزاليّ في توجيه الإتيان بـ { لَّن } هنا و { لاَ } في سورة الجمعة بأن الدعوى هنا أعظم من الثانية، إذ السعادة القصوى هي الحصول في دار الثواب، وأما مرتبة الولاية فهي، وإن كانت شريفة إلا أنها إنما تراد ليتوسل بها إلى الجنة، فلما كانت الدعوى الأولى أعظم، لا جَرَمَ بيّن تعالى فساد قولهم بلفظ (لن) لأنها أقوى الألفاظ النافية، ولما كانت الدعوى الثانية ليست في غاية العظمة اكتفى في إبطالها بلفظ: { لاَ } لأنه ليس في نهاية القوة، في إفادة معنى النفي، والله أعلم.

ولما أخبر تعالى عنهم أنهم لا يتمنون الموت، أتبعه بأنهم في غاية الحرص على الحياة بقوله:

{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ... }.