الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } على الإيمان والطاعة. { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } قائلين { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم } أي: ما أمرتم به في التوراة { بِقُوَّةٍ } بجد { وَٱسْمَعُواْ } أطيعوا { قَالُواْ سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا } أمرك. وظاهر السوق يقتضي أنهم قالوا ذلك حقيقة.

قال أبو مسلم: وجائز أن يكون المعنى: سمعوه فتفوّه بالعصيان، فعبّر عن ذلك بالقول وإن لم يقولوه، كقوله تعالى:كُن فَيَكُونُ } [يس: 82]. { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } أي: حبّه على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه للمبالغة، أو العجل مجاز عن صورته. فلا يحتاج إلى حذف المضاف، وعلى كلٍ، فأشربوا استعارة تبعية، إما من إشراب الثوب الصبغَ - أي: تداخله فيه - أو من إشراب الماء - أي: تداخله أعماق البدن - والجامع السراية في كل جزء، وإسناد الفعل إليهم لمكان الإشراب، ثم بُيَّن بقوله: { فِي قُلُوبِهِمُ } للمبالغة، فظهر وجه العدول عن مقتضى الظاهر وهو: وأشرب قلوبهم العجل. { بِكُفْرِهِمْ } بسبب كفرهم { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي: كما زعمتم، بالتوراة. وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم كما في قصة شعيبأَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ } [هود: 87]. وكذا إضافة الإيمان إليهم. وقوله: { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } قدح في صحة دعواهم. فإن الإيمان إنما يأمر بعباده الله وحده لا بشركة العباد لما هو في غاية البلادة. فهو غاية الاستهزاء، وحاصل الكلام: إن كنتم مؤمنين بها عاملين، فيما ذكر من القول والعمل، بما فيها، فبئسما يأمركم به إيمانكم بها. وإذ لا يسوّغ الإيمان بها مثل تلك القبائح فلستم بمؤمنين بها قطعاً، فجواب الشرط محذوف، كما ترى، لدلالة ما سبق عليه.