{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } أي: لليهود { آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } على محمد صلى الله عليه وسلم وصدِّقوه واتبعوه { قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا } من التوراة، ولا نقرّ إلا بها { وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ } حال من ضمير { قَالُواْ } بتقدير مبتدأ. أي: قالوا ما قالوا وهم يكفرون بما بعده { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ } منها غير مخالف له، وفيه ردٌّ لمقالتهم، لأنهم إذا كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها { قُلْ } تبكيتاً لهم ببيان التناقض بين أقوالهم وأفعالهم { فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي: إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم، فلم قتلتم الأنبياء الذين جاؤوكم بتصديق التوراة التي بأيديكم وأنتم تعلمون صدقهم، قتلتموهم بغياً وعنادا، واستكباراً على رسل الله، فلستم تتبعون إلا مجرد الأهواء والآراء والتشهي كما قال تعالى:{ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } [البقرة: 87]، والخطاب للحاضرين من اليهود والماضين، على طريق التغليب، وحيث كانوا مشاركين في العقد والعمل، كان الاعتراض على أسلافهم اعتراضاً على أخلافهم، ودلت الآية على أن المجادلة في الدين من عرف الأنبياء عليهم السلام، وإن إيراد المناقضة على الخصم جائز. ولما دل على كذبهم في دعوى الإيمان بما فعلوا بعد موسى، أقام دليلاً آخر أقوى مما تقدمه، فإنه لم يعهد إليهم في التوراة ما عهد إليهم في التوحيد والبعد عن الإشراك، وهو في النُّسَخ الموجودة بين أظهرهم الآن، وقد نقضوا جميع ذلك باتخاذ العجل في أيام موسى، وبحضرة هارون عليهما السلام. فقال تعالى: { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ... }.