الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

{ وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ } هو القرآن الكريم الذي مقصود هذه السورة، وصفه بالهدى، وتنكيره للتفخيم، ونعته بقوله { مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } للتشريف { مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } من التوراة. وجواب { لِّمَا } محذوف دل عليه جواب { لِّمَا } الثانية. وعليه، فقوله تعالى: { وَكَانُواْ } الخ جملة معطوفة على الشرطية، عطف القصة على القصة. وقيل: جوابها كفروا. و { لِّمَا } الثانية تكرار للأولى، فلا تحتاج إلى جواب. وقيل: كفروا جواب للأولى والثانية لأن مقتضاهما واحد، وعلى الوجهين فجملة قوله: { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ } أي: قبل مجيئه { يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } جملة حالية مفيدة لكمال مكابرتهم وعنادهم. والاستفتاح: الاستنصار أي: طلب النصر، أي: يطلبون النصر من الله النصر على المشركين لما أنهم كانوا مستذَلين في جزيرة العرب، ولذا كانوا يحالفون بعض القبائل تعززاً بهم على ما تقدم { فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ } صحتَه وصدقَه، كان من حقهم أن يسارعوا إلى الإيمان به لظفرهم بأمنيتهم حينئذ، وهو انتصارهم على المشركين وحصول العزة لهم مع المؤمنين، ولكن { كَفَرُواْ بِهِ } أي: امتنعوا من الإيمان به خوفاً من زوال رياستهم وأموالهم، وأصرّوا على الإنكار مع علمهم بحقيقة نبوته. ولذا قال عبد الله بن سلام في قصة إسلامه: يا معشر اليهود اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق. رواه البخارّي في الهجرة. وروى أيضاً أن عبد الله بن سلام لما بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم أتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيّ، فلما أجابه عنها قال: أشهد أنك رسول الله. وسنذكر الحديث بتمامه عند قوله تعالى:مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ } [البقرة: 97] الآية.

وقوله: { فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } اللام فيه للعهد أي: عليهم، ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بأن حلول اللعنة عليهم بسبب كفرهم؛ كما أن الفاء للإيذان بترتبها عليه، أو للجنس وهم داخلون في الحكم دخولاً أوليّاً؛ إذ الكلام فيهم. وأيّاً ما كان فهو محقق لمضمون قوله تعالى:بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } [البقرة: 88].