الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ } أي: المقتول { بِبَعْضِهَا } أي: البقرة. يعني فضربوه فحيى وأخبر بقاتله. كما دل عليه قوله: { كَذَلِكَ } أي: مثل هذا الإحياء العظيم على هذه الهيئة الغريبة { يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } يوم القيامة { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } أي: دلائله الدالة على أنه تعالى على كل شيء قدير. ويجوز أن يراد بالآيات هذا الإحياء. والتعبير عنه بالجمع لاشتماله على أمور بديعة من ترتب الحياة على عضو ميت، وإخباره بقاتله، وما يلابسه من الأمور الخارقة للعادة { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } لتكونوا برؤية تلك الآيات على رجاء من أن يحصل لكم عقل، فيرشدكم إلى اعتقاد البعث وغيره، مما تخبر به الرسل عن الله تعالى.

قال الراغب: وقوله: { كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } قيل هو حكاية عن قول موسى عليه السلام لقومه، وقيل بل هو خطاب من الله تعالى لهذه الأمة، تنبيهاً على الاعتبار بإحيائه الموتى.

تنبيهات

الأول: قال الزمخشري: فإن قلت: فما للقصة لم تقص على ترتيبها، وكان حقها أن يقدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها؟ فيقال: وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها، فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها؟

أجيب: بأن كل ما قص من قصص بني إسرائيل، إنما قص تعديداً لما وجد منهم من الجنايات، وتقريعاً لهم عليها، ولما جدد فيهم من الآيات العظام. وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وإن كانتا متصلتين متحدتين، فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء، وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك. والثانية: للتقريع على قتل النفس المحرمة وما يتبعه من الآية العظيمة، وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل، لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة، ولذهب الغرض في تثنية التقريع. ولقد روعيت نكتة، بعد ما استؤنفت الثانية، استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى دلالة على اتحادهما بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله: { ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } ، حتى تبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع، وتثنيته بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها. وأنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة. ا.هـ.

وقال الحراليّ: قدم نبأ قول موسى عليه السلام على ذكر ندائهم في القتيل، ابتداء بأشرف القصدين من معنى التشريع الذي هو القائم على أفعال الاعتداء وأقوال الخصومة والله أعلم.

التنبيه الثاني: قال الراغب: قد استبعد بعض الناس ذلك وما حكاه الله منه، وأنكر حصول ذلك الفعل على الحقيقة وقال: ذلك ممتنع من حيث الطبيعة، وأيضاً فإن ذلك لا يعرف فيه حكمة إلهية. فأما استبعاده ذلك من حيث الطبيعة فإنما هو استبعاد للإحياء والنشور، ولذلك موضع لا يختص بالتفسير. ومن كان ذلك طريقته فلا خوض معه في تفسير القرآن. وأما الحكمة فيه فظاهرة إذ هو من المعجزات المحسوسة الباهرة للعقول.

السابقالتالي
2