الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ } قال قتادة: لما ملوا طعامهم وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه قبل ذلك. قالوا ذلك. قال الراغب: إن قيل: كيف قال: { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ } وكان لهم المن والسلوى، قيل: إن ذلك إشارة إلى مساواته في الأزمنة المختلفة، كقولك: فلان يفعل فعلاً واحداً في كل يوم، وإن كثرت أفعاله، إذا تحرى طريقة واحدة وداوم عليها.ا.هـ. وهذا المعنى في إنكار الطعام أبلغ، لأنهم لم يكتفوا في إنكاره بقولهم: { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ } ، حتى أكدوا بقولهم: { وَاحِدٍ } أو أرادوا بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدل { فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا } هو الثوم لقراءة ابن مسعود " وثومها " وللتصريح به في التوراة في هذه القصة. وقد ذكر ابن جرير شواهد لإبدال الثاء فاءً لتقارب مخرجيهما كقولهم للأثافي " أثاثي " وقولهم: وقعوا في عاثور شر وعافور شر، وللمغافير: " مغاثير ".

{ وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ } أي: أدون قدراً، وأصل الدنو القرب في المكان، فاستعير للخسة، كما استعير البعد للشرف والرفعة، فقيل: بعيد الهمة. { بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } أي: بقابلة ما هو خير، أي أرفع وأجل، وهو المن الذي فيه الحلاوة التي تألفها أغلب الطباع البشرية، والسلوى من أطيب لحوم الطير، وفي مجموعهما غذاء تقوم به البنية. وليس فيما طلبوه ما يساويهما لذة ولا تغذية { ٱهْبِطُواْ مِصْراً } هكذا هو منون مصروف مكتوب بالألف في المصاحف الأئمة العثمانية، وهو قراءة الجمهور، بالصرف.

قال ابن جرير: ولا أستجيز القراءة بغير ذلك، لإجماع المصاحف على ذلك؛ أي: من الأمصار، أي انحدروا إليه { فَإِنَّ لَكُمْ } فيها { مَّا سَأَلْتُمْ } أي: فإن الذي سألتم يكون في الأمصار لا في القفار، والمعنى أن هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز، بل هو كثير، في أي بلد دخلتموها وجدتموه. فليس يساوي مع دناءته، وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه.

ولما حكى الله تعالى إنكار موسى عليه السلام على اليهود استبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، بعد تعداد النعم، جاء بحكاية سوء صنيعهم بالأنبياء، وكفرهم، واعتدائهم، وضرب الذلة عليهم لذلك، استطراداً فقال: { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } فمن هنا إلى قوله: { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } معترض في خلال القصص المتعلقة بحكاية أحوال بني إسرائيل الذين كانوا في عهد موسى، يدل هذا على قوله: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ } فإن قتل الأنبياء إنما كان من فروعهم وذريتهم. والذلة: بالكسر الصغار والهوان والحقارة، والذل: بالضم ضد العز. والمسكنة مفعلة من السكون، لأن المسكين قليل الحركة والنهوض، لما به من الفقر.

السابقالتالي
2