الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }

{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }.

هذا إشارة إلى ما حلّ ببني إسرائيل - لما نكلوا عن الجهاد - ودخولهم الأرض المقدس - أرض كنعان - لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى عليه السلام. وإنما أطلق على الأرض المذكورة قرية، لأن القرية: كل مكان اتصلت به الأبنية واتُّخِذَ قراراً. وتقع على المدن وغيرها - كذا في كفاية المتحفِّظ - ثم إن ما قصَّ - هنا - ذكر في سورة المائدة في قوله تعالى:وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ * يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ * قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } [المائدة: 20-22] الآيات.

وقوله تعالى: { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } في التأويلات: يحتمل المراد من الباب حقيقة الباب، وهو باب القرية التي أمروا بالدخول فيها. ويحتمل من الباب القرية نفسها، لا حقيقة الباب - كقوله: { وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } ذكر القرية ولم يذكر الباب - وذلك في اللغة جائز. ويقال: فلان دخل في باب كذا - لا يعنون حقيقة الباب، ولكن كونه في أمر هو فيه.

وقوله: { سُجَّداً } يحتمل المراد من السجود: حقيقة السجود. فيخرج على وجوه: على التحية لذلك المكان؛ ويحتمل على الشكر له لما أهلك أعداءهم الجبارين؛ ويحتمل الكناية عن الصلاة - إذ العرب قد تسمي السجود صلاة - كأنهم أُمِروا بالصلاة فيها؛ ويحتمل أن الأمر بالسجود - لا على حقيقة السجود والصلاة - ولكن أمر بالخضوع له والطاعة والشكر على أياديه. والله أعلم.

وقوله تعالى: { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } خبر محذوف، أي مسألتنا حطة - والأصل النصب - بمعنى: حطَّ عنا ذنوبنا حِطةٌ، وإنما رفعت لتعطي معنى الثبات.

وقوله سبحانه: { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ } أي: بدلوا أمره تعالى لهم - بدخول الأرض مجاهدين - بالإحجام عنه، وتثبيط الناس. ولذا قال أبو مسلم قوله تعالى: { فَبَدَّلَ } يدل على أنهم لم يفعلوا ما أمروا به، لا على أنهم أتوا له ببدل. والدليل عليه: أن تبديل القول قد يستعمل في المخالفة. قال تعالى:سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ } [الفتح: 15] إلى قوله:يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ } [الفتح: 15] ولم يكن تبديلهم إلا الخلاف في الفعل لا في القول.

السابقالتالي
2