الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي: واذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق، إذ سألتم رؤيتي عياناً مما لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم في دار الدنيا. وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن القائلين لموسى ذلك هم السبعون المختارون. ويؤيده آية الأعراف:وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ } [الأعراف: 155] الآية.

وقد غلط أهل الكتاب في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله عز وجل فإن موسى الكليم عليه السلام قد سأل ذلك، فمنع منه. فكيف يناله هؤلاء السبعون؟ أفاده ابن كثير. وقد رأيت دعواهم المذكورة في الفصل الرابع والعشرين في سفر الخروج. وهذا من المواضع المحقق تحريفها. ويدل عليه ما في الفصل الثالث والثلاثين من السفر المذكور أنه تعالى قال لموسى: لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش.ا.هـ

و { جَهْرَةً }: في الأصل، مصدر قولك: جهرت بالقراءة، استعيرت للمعاينة، لما بينهما من الاتحاد، في الوضوح والانكشاف. إلا أن الأول في المسموعات، والثاني في المبصرات. ونصبها على المصدر لأنها نوع من الرؤية، فنصبت بفعلها كما تنصب القرفصاء بفعل الجلوس، أو على الحال من الفاعل أو المفعول.

قال ابن جرير: وأصل الصاعقة كل أمر هائل رآه أو عاينه أو أصابه، حتى يصير من هَوْلِهِ وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب وإلى ذهاب عقل وغمور فهم، أو فقد بعض آلات الجسم. صوتا كان ذلك أو ناراً، أو زلزلة أو رجفا قال: ومما يدل على أنه قد يكون مصعوقاً وهو حي غير ميت قول الله عز وجل:وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } [الأعراف: 143] يعني: مغشياً عليه. ومنه قول جرير:
وهَلْ كَانَ الفرزدقُ غَيرِ قرْدٍ   أصابَتْهُ الصَّواعقُ فاسْتَدارا
فقد علم أن موسى لم يكن، حين غُشي عليه وصعق، ميتاً؛ لأن الله، جل وعز، أخبر عنه أنه لما أفاق قال:تُبْتُ إِلَيْكَ } [الأعراف: 143]. ولا شبَّه جريرٌ الفرزدقَ، وهو حيّ، بالقرد ميتاً، ولكن معنى ذلك ما وصفناه.

وقوله تعالى: { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } أي: إلى تلك الصاعقة. وقوله تعالى: { ثُمَّ بَعَثْنَٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } قال الراغب الأصبهاني في تفسيره: البعث إرسال المبعوث من المكان الذي فيه. لكن فرق بين تفاسيره بحسب اختلاف المعلق به، فقيل: بعثت البعير من مبركه أي أثرته، وبعثته في السير أي هيجته، وبعث الله الميت أحياه. وضرب البعث على الجند إذا أمروا بالارتحال. وكل ذلك واحد في الحقيقة، وإنما اختلف لاختلاف صور المبعوثات ثم قال: والموت حُمِلَ على المعروف، وحُمِلَ أيضاً على الأحوال الشاقة الجارية مجرى الموت، وليس يقتضي قوله: { فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ } أنهم ماتوا، ألا ترى إلى قوله:

السابقالتالي
2