الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً } يريد يوم القيامة أي حسابه أو عذابه { لاَّ تَجْزِي } فيه { نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } أي: لا تقضي عنها شيئاً من الحقوق. فانتصاب { شَيْئاً } على المفعولية. أو شيئاً من الجزاء فيكون نصبه على المصدرية. وإيراده منكراً مع تنكير النفس للتعميم والإقناط الكلي { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ } لا يقبل { مِنْهَا عَدْلٌ } أي: فدية { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } يمنعون من عذاب الله. وجُمِعَ لدلالة النفس المنكرة على النفوس الكثيرة. وذكر لمعنى العباد أو الأناسي.

تنبيه

تمسكت المعتزلة بهذه الآية على أن الشفاعة لا تقبل للعصاة لأنه نفى أن تقضي نفس عن نفس حقاً أخلت به من فعل أوترك، ثم نفى أن يقبل منها شفاعة شفيع، فعلم أنها لا تقبل للعصاة، والجواب: أنها خاصة بالكفار، ويؤيده أن الخطاب معهم كما قال:فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [المدثر: 48]، وكما قال عن أهل النار:فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } [الشعراء: 100-101] فمعنى الآية أنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة، ولا ينقذ أحداً من عذابه منقذٌ ولا يخلص منه أحدٌ.

وفي الانتصاف: من جحد الشفاعة فهو جدير ألا ينالها. وأما من آمن بها وصدقها، وهم أهل السنة والجماعة، فأولئك يرجون رحمة الله، ومعتقدهم أنها تنال العصاة من المؤمنين وإنما ادخرت لهم. وليس في الآية دليل لمنكريها، لأن قوله: { يَوْمِ } أخرجه منكرا، ولا شك أن في القيامة مواطن، ويومها معدود بخمسن ألف سنة. فبعض أوقاتها ليس زماناً للشفاعة. وبعضها هو الوقت الموعود، وفيها المقام المحمود لسيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام. وقد وردت آي كثيرة ترشد إلى تعدد أيامها واختلاف أوقاتها. منها قوله تعالى:فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [المؤمنون: 101] مع قوله:وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الصافات: 27، الطور: 25]. فيتعين حمل الآيتين على يومين مختلفين ووقتين متغايرين: أحدهما محل للتنازل والآخر ليس محلاً له، وكذلك الشفاعة، وأدلة ثبوتها لا تحصى كثرة، رزقنا الله الشفاعة، وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة.