الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ }

{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ } أي: أولاد يعقوب، وقد هيجهم تعالى بذكر أبيهم إسرائيل، كأنه قيل: يا بني العبد الصالح المطيع لله، كونوا مثل أبيكم، كما تقول: يا ابن الكريم، افعل كذا، ويا ابن العالم، اطلب العلم { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ }.

قال ابن جرير: نعمه التي أنعم بها على بني إسرائيل: اصطفاؤه منهم الرسل، وإنزاله عليهم الكتب، واستنقاذه إياهم مما كانوا فيه من البلاء والضراء من فرعون وقومه، إلى التمكين لهم في الأرض، وتفجير عيون الماء من الحجر، وإطعام المنّ والسلوى، فأمر جل ثناؤه، أعقابهم أن يكون ما سلف منه إلى آبائهم على ذِكْرٍ، وألا ينسوا صنيعه إلى أسلافهم وآبائهم، فيحل بهم من النقم، ما أحل بمن نسى نعمه عنده منهم وكفرها، وجحد صنائعه عنده.

{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ } العهد هو الميثاق، وقد أشير إليه في قوله تعالى:وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [المائدة: 12] الآية. فعهد الله هو وصيته لهم، بما ذكر في الآية. ومنها: الإيمان برسله المتناول لخاتمهم، عليه السلام؛ لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة. وعهده تعالى إياهم، هو أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة.

وقوله تعالى: { وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ } قال ابن جرير: أي: اخشوني واتقوا، أيها المضيعون عهدي من بني إسرائيل، والمكذبون رسولي الذي أخذت ميثاقكم فيما أنزلت على أنبيائي أن تؤمنوا به وتتبعوه، أن أحل بكم من عقوبتي إن لم تتوبوا إليّ باتباعه والإقرار بما أنزلت إليه، ما أحللت بمن خالف أمري، وكذب رسل من أسلافكم.