الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }

{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ } والمراد { بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } الكتاب المنزل كله، وإنما عبر عنه بلفظ الماضي - وإن كان بعضه مترقباً - تغليباً للموجود على ما لم يوجد. كما أن المراد من قوله: { وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ } الكتب الإلهية السالفة كلها، وهذا كقوله تعالى:يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ } [النساء: 136] الآية. والإنزال النقل من الأعلى إلى الأسفل. فنزول الكتب الإلهية إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام بأن يتلقاها جبريل من جنابه عزّ وجل فينزل بها إلى الرسل عليهم السلام، ولهذا يقال: القرآن كلام الله ليس بمخلوق، منه بدأ.

قال الإمام أحمد وغيره: وإليه يعود، أي هو المتكلم به. قال تعالى:وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } [الأنعام: 114]. وقال تعالى:قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } [النحل: 102]. وقال تعالى:تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } [الزمر: 1].

{ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } الآخرة في الأصل: تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول وهي صفة الدار، بدليل قوله تعالى:تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } [القصص: 83]؛ سميت بذلك لأنها متأخرة عن الدنيا، وقيل للدنيا: دنيا، لأنها أدنى من الآخرة، وهما من الصفات الغالبة، ومع ذلك فقد جريا مجرى الأسماء، إذ قد غاب ترك ذكر اسم موصوفهما معهما، كأنهما ليس من الصفات.

والإيقان: إتقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه. وفي تقديم { وَبِٱلآخِرَةِ } وبناء { يُوقِنُونَ } على { هُمْ } تعريض بأهل الكتاب وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته. كزعمهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هوداً أو نصارى؛ وأن النار لن تمسّهم إلا إِِِِِياماً معدودة؛ واختلافهم في أن نعيم الجنة هل هو من قبيل نعيم الدنيا أوْ لا؟ وهل هو دائم أوْ لا؟ فاعتقادهم في أمور الآخرة بمعزل من الصحة، فضلاً عن الوصول إلى مرتبة اليقين!