الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ }

{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام وخلق له زوجة وأقرهما في الجنة، أباحهما الأكل منها بقوله: { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً } أي أكلاً واسعاً و { حَيْثُ } للمكان المبهم، أيْ: أيّ مكان من الجنة شئتما. أطلق لهما الأكل من الجنة على وجه التوسعة البالغة المزيحة للعلة، حين لم يحظر عليهما بعض الأكل ولا بعض المواضع الجامعة للمأكولات من الجنة، حتى لا يبقى لهما عذر في التناول مما منعا منه بقوله: { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } أي: هذه الحاضرة من الشجر، أي: لا تأكلا منها، وإنما علق النهي بالقربان منها، مبالغة في تحريم الأكل، ووجوب الاجتناب عنه، لأن القرب من الشيء مقتضى الألفة، والألفة داعية للمحبة، ومحبة الشيء تعمي وتصمّ. فلا يرى قبيحاً، ولا يسمع نهياً، فيقع، والسبب الداعي إلى الشرّ منهيّ عنه، كما أن السبب الموصل إلى الخير مأمور به، وعلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " العينان تزنيان " لما كان النظر داعياً إلى الألفة، والألفة إلى المحبة، وذلك مفض لارتكابه، فصار النظر مبدأ الزنا، وعلى هذا قوله تعالى:وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ } [الإسراء: 32]،وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [الأنعام: 152، الإسراء: 34].

قال ابن العربي: سمعت الشاشي في مجلس النظر يقول: إذا قيل: لا تقرَب بفتح الراء، كأن معناه لا تتلبس بالفعل، وإذا كان بضم الراء، معناه لا تَدْنُ، نقله ابن مفلح في كتاب الاستعاذة. ونقل الفرق المذكور بينهما أيضاً السيد مرتضى في شرح القاموس عن شيخه العلامة الفاسي. قال: إن أرباب الأفعال نصوا عليه، وظاهر القاموس أنهما مترادفان، فإنه قال: قرب منه، ككرم، وقرِبه كسمع قرباً وقَرباناً وقِرباناً دنا، فهو قريب. للواحد والجمع. انتهى.

لطيفة

جاء في آية الأعراف:فَكُلاَ } [الأعراف: 19] وهنا بالواو، لأن كل فعل عطف عليه شيء، وكان ذلك الفعل كالشرط، وذكر الشيء كالجزاء، عطف بالفاء دون الواو، كقوله تعالى:وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً } [البقرة: 58] لما كان وجود الأكل منها متعلقاً بدخولها ذكر بالفاء، كأنه قال: إن دخلتموها أكلتم منها، فالأكل يتعلق وجوده بوجود الدخول، وقوله في الأعراف:ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا } [الأعراف: 161] بالواو دون الفاء؛ لأنه من السكنى، وهو في المقام مع اللبث الطويل، والأكل لا يختص وجوده بوجوده؛ لأن من دخل بستاناً قد يأكل منه، وإن كان مجتازاً. فلما لم يتعلق الثاني بالأول تعلق الجزاء بالشرط، عطف بالواو. وإذا ثبت هذا فنقول: قد يراد بـ { ٱسْكُنْ } الزم مكاناً دخلته، ولا تنتقل عنه، وقد يراد ادخله واسكن فيه. ففي البقرة، ورد الأمر.

السابقالتالي
2