الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي: لا يحملها إلا ما تسعه وتطيقه ولا تعجز عنه.

قال الرازيّ: يحتمل أن يكون هذا ابتداء خبر من الله، ويحتمل أن يكون حكاية عن الرسول والمؤمنين بأنهم قالوا: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } على نسق الكلام في قوله:وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [البقرة: 285]. وقالوا: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }. ويؤيد ذلك ما أردفه من قوله: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا }. فكأنه تعالى حكى عنهم طريقتهم في التمسك بالإيمان والعمل الصالح. وحكى عنهم في جملة ذلك أنهم وصفوا ربهم بأنه لا يكلف نفساً إلا وسعها.

ثم قال الرازي: في كيفية النظم: إن قلنا: إن هذا من كلام المؤمنين، فوجه النظم أنهم لما قالوا:سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [البقرة: 285] فكأنهم قالوا: كيف لا نسمع ولا نطيع وأنه تعالى لا يكلفنا إلا ما في وسعنا وطاقتنا. فإذا كان هو تعالى، بحكم الرحمة الإلهية، لا يطالبنا إلا بالشيء السهل الهيّن، فكذلك نحن بحكم العبودية وجب أن نكون سامعين مطيعين. وإن قلنا: إن هذا من كلام الله تعالى، فوجه النظم أنهم لما قالوا:سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [البقرة: 285] ثم قالوا بعده:غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } [البقرة: 285]، دل ذلك على أن قولهم: { غُفْرَانَكَ } طلب للمغفرة فيما يصدر عنهم من وجوه التقصير منهم على سبيل العمد فلما كان قولهم: { غُفْرَانَكَ } ، طلبا المغفرة في ذلك التقصير، لا جرم خفف الله تعالى ذلك عنهم. وقال: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }. والمعنى: أنكم إذا سمعتم وأطعتم، وما تعمدتم التقصير، فعند ذلك لو وقع منكم نوع تقصير على سبيل السهو والغفلة فلا تكونوا خائفين منه. فإن الله تعالى: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }. وبالجملة فهذا إجابة لهم في دعائهم في قولهم:غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } [البقرة: 285].

قال زين العابدين بير محمد درة في المدحة الكبرى: وعلى احتمال أن يكون قوله: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ... } الخ. حكاية، فهو من قبيل العطف بلا عاطف. أو الكلام على تقدير قالوا. قال بعضهم: ولك أن تجعل { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ... } الخ في حيز القول. وأن يكون حكاية للأقوال المتفرقة غير المعطوفة بعضها على بعض للمؤمنين. يكون مدحاً لهم بأنهم شاكرون لله تعالى في تكليفه. حيث يرونه بأنه لم يخرج عن وسعهم. وبأنهم يرون أن الله تعالى لا ينتفع بعملهم الخير، بل هو لهم. ولا يتضرر بعملهم الشرّ، بل هو عليهم.

وقال البقاعيّ: وهذا الكلام من جملة دعائهم على وجه الثناء طلباً للوفاء بما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم عنه سبحانه من ذلك، خوفاً من أن يكلفوا بما لله تعالى أن يكلف به من المؤاخذة بالوساوس، لأنه مما تخفيه النفوس ولا طاقة على دفعه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9