الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } نوع تفصيل لبعض ما أجمل في الشرطية. وبيان له. ولذلك ترك العطف بينهما. أي إن تظهروا الصدقات فنعم شيئاً إبداؤها؛ لأنه يرفع التهمة ويدعو له كل من يسمع من محتاج وغيره ويفيد اتباع الناس إياه { وَإِن تُخْفُوهَا } أي: تُسِرّوها مخافة الرياء، وستراً لعار الفقراء: { وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي: من العلانية؛ لأنه أبعد عن الرياء وأقرب إلى الإخلاص الذي هو روح العبادات { وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } ذنوبكم بقدر صدقاتكم { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ترغيب في الإسرار. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين. ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " وروى الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن أبي ذر قال: " قلت يا رسول الله أيّ الصدقة أفضل؟ قال: " سرُّ إلى فقير، أو جهدٌ من مقل " ".

لطائف

قال أبو البقاء في قوله تعالى: { فَنِعِمَّا هِيَ } نِعْمَ فعل جامد لا يكون فيه مستقبل. وأصله نَعِمَ، كعلم. وقد جاء على ذلك في الشعر. إلا أنهم سكنوا العين ونقلوا حركتها إلى النون ليكون دليلاً على الأصل، ومنهم من يترك النون مفتوحة على الأصل، ومنهم من يكسر النون والعين إتباعاً. وبكلّ قد قرئ. وفاعل نعم مضمر وما بمعنى شيء. ثم قال: " ونكفر عنكم " يقرأ بالنون على إسناد الفعل إلى الله عز وجل ويقرأ بالياء على هذا التقدير أيضاً وعلى تقدير آخر وهو أن يكون الفاعل ضمير الإخفاء. ويقرأ " وتكفر " بالتاء على أن الفعل مسند إلى ضمير الصدقة. ويقرأ بجزم الراء عطفاً على موضع { فَهُوَ خَيْرٌ } بالرفع على إضمار مبتدأ أي ونحن أو هي. و " من " هنا زائدة عند الأخفش فيكون { سَيِّئَاتِكُمْ } المفعول. وعند سيبويه: المفعول محذوف أي شيئاً من سيئاتكم. والسيئة فيْعِلة. وعينها واو لأنها من: ساء فأصلها سيوئة فأبدلت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها. انتهى.

وفي غيث النفع: قرأ " فنعما " الشامي. والإخوان بفتح النون. والباقون بالكسر. وقرأ قالون والبصريّ وشعبة بإسكان العين واختار كثير لهم إخفاء كسرة العين يريدون الاختلاس فراراً من الجمع بين الساكنين، والباقون بكسر العين، واتفقوا على تشديد الميم، ثم ناقش الشاطبي في كونه لم يذكر لقالون ومن عطف عليه إلا الإخفاء، مع أنه روى عنهم الإسكان المحض أيضاً.

السابقالتالي
2