الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: في طاعته { كَمَثَلِ حَبَّةٍ } أي: مثل نفقتهم كمثل حبة، أو مثلهم كمثل باذر حبة. فالحذف إما من جانب المشبه أو المشبه به لتحصيل المناسبة. أي: وتلك الحبة ألقيت في الأرض ثم { أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ } أي: أنبتت ساقاً انشعب سبع شعب، خرج من كل شعبة سنبلة فيها مائة حبة، فصارت الحبة سبعمائة حبة بمضاعفة الله لها. قال ابن كثير: وهذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة. فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل لأصحابها كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة. انتهى.

أقول: مصداق هذا فما في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تصدق بعَدْل تمرة من كسب طَيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيّب، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلوَّهُ حتى تكون مثل الجبل ".

{ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ } أي: هذا التضعيف أو أكثر منه { لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف. ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " وأخرج أحمد ومسلم والنسائي والحاكم عن ابن مسعود قال: " جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة " وأخرج أحمد والطبرانيّ والبيهقيّ عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله. الدرهم بسبعمائة ضعف " وثمة آثار أخرى في ابن كثير والدر المنثور. ثم مدح تعالى من حفظ نفسه من المنّ والأذى فيما أنفق بقوله:

{ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ... }.