الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } استشهاد على ما ذكر تعالى من ولايته للمؤمنين وتقريرٌ له، معطوف على الموصول السابق. وإيثار أو الفارقة على الواو الجامعة للاحتراز عن توهم اتحاد المستشهد عليه من أول الأمر. والكاف إما اسمية جيء بها للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر، وإما زائدة. والمعنى: أو لم تر إلى مثل الذي. أو إلى الذي مرّ على قرية. كيف هداه الله تعالى وأخرجه من ظلمة الاشتباه إلى نور العيان والشهود { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } خالية ساقطة حيطانها على سقوفها { قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } أي: كيف يعمر الله هذه القرية بعد خرابها. فكان منه كالوقوف في الظلمات. فأراه الدليل على الإحياء الحقيقيّ في نفسه مبالغة في قلع الشبهة، إخراجاً له منها إلى النور { فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ } ليندرس بالكلية { ثُمَّ بَعَثَهُ } أي: أحياه ببعث روحه إلى بدنه وبعض أجزائه إلى بعض بعد تفرقها.

{ قَالَ } الله له { كَمْ لَبِثْتَ } أي: مكثت ميتاً { قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } قاله بناء على التقريب والتخمين. أو استقصاراً لمدة لبثه { قَالَ } الله { بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ } وإنما سأله تعالى ليظهر له عجزه عن الإحاطة بشؤونه، وأن إحياءه ليس بعد مدة يسيرة، ربما يتوهم أنه هيّن في الجملة، بل بعد مدة طويلة، وينحسم به مادة استبعاده بالمرة. ويطلع في تضاعيفه على أمر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى. وهو إبقاء الغذاء المتسارع إلى الفساد بالطبع، على ما كان عليه دهراً طويلاً، من غير تغيّر مّا، كما قال سبحانه { فَٱنْظُرْ } لتعاين أمراً آخر من دلائل قدرتنا { إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } أي: لم يتغير في هذه المدة المتطاولة مع تداعيه إلى الفساد. والهاء يجوز أن تكون هاء سكت زيدت في الوقف. وأصل الفعل على هذا فيه وجهان: أحدهما: يتسنن من قوله:حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [الحجر: 26، 28، 33]. فلما اجتمعت ثلاث نونات قلبت الأخيرة ياء كما قلبت في تظنيت ثم أبدلت الياء ألفاً ثم حذفت للجزم. والثاني: أن يكون أصل الألف واواً من قولهم: أسنى يسنى إذا مضت عليه السنون. وأصل سنة سنوة لقولهم: سنوات أي لم تمر عليه السنون. والمعنى على التشبيه. أي كأنه لم تمر عليه المائة سنة لبقائه على حاله وعدم تغيره. ويجوز أن تكون الهاء أصلاً ويكون اشتقاقه من السنة بناء على أن لام السنة هاء وأصلها سنهة. لقولهم سنهاء وعاملته مسانهة. فعلى هذا تثبت الهاء وصلاً ووقفاً. إذ الفعل مجزوم بسكونها. وعلى الأول تثبت في الوقف دون الوصل. ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف. وقد قرأ حمزة والكسائيّ بحذف الهاء وصلاً وإثباتها وقفاً والباقون بإثباتها وصلاً ووقفاً.

السابقالتالي
2