الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ } أي الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء { ٱلْقَيُّومُ } الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه، وقرئ القيام والقيم.

{ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } تأكيد للقيوم. أي: لا يغفل عن تدبير أمر الخلق تعالى وتقدس. والسنة كعِدَة والوسَن محركة وبهاء والوسنْة شدة النوم أو أوله، أو النعاس. كذا في القاموس.

قال المهايميّ: السنة فتور يتقدم النوم. والنوم حال تعرض للحيوان من استرخاء دماغه من رطوبات أبخرة متصاعدة تمنع الحواس الظاهرة عن الإحساس. فهما منقصان للحياة منافيان للقيومية، لأنهما من التغيرات المنافية لوجوب الوجود الذي للقيوم. ونفي النوم أوّلاً التزاماً، ثم تصريحا، ليدل كمال نفيه على ثبوت كمال ما ينافيه. ومن كمال قيوميته اختصاصه بملك العلويات والسفليات المشار إليه بقوله: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من الملائكة والشمس والقمر والكواكب { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } من العوالم المشاهدات. وهذا إخبار بأن الجميع في ملكه وتحت قهره وسلطانه. كقوله:إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً } [مريم: 93-94] { مَن ذَا } من الأنبياء والملائكة، فضلاً عما ادعى الكفار شفاعته من الأصنام { ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ } فضلاً عن أن يقاومه أو يناصبه { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } أي: بتمكينه تحقيقاً للعبودية، كما قال تعالى:وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } [االنجم: 26]. وكقوله تعالى:وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [الأنبياء: 28]. وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بأذنه له في الشفاعة. كما في حديث الشفاعة: " آتي تحت العرش فأخر ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني. ثم يقال: ارفع رأسك وقل يسمع واشفع تشفع - قال - فيحدّ لي حدّاً فأدخلهم الجنة ".

قال أبو العباس بن تيمية: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون. فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة. فبيّن أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب. فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن. وأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده. لا يبدأ بالشفاعة أولاً. ثم يقال له: " ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع ". وقال له أبو هريرة: " من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: " من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه " فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله. ولا تكون لمن أشرك بالله. وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه وينال المقام المحمود.

السابقالتالي
2 3