الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }

{ تِلْكَ } أي: المذكورات من إماتة الألوف وإحيائهم وتمليك طالوت وإتيان التابوت وانهزام جالوت وقتل داود إياه وتملكه { آيَاتُ ٱللَّهِ } إذ هي أخبار غيوب تدل على كمال قدرته سبحانه وحكمته ولطفه { نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } أي: ننزل عليك جبريل بها { بِٱلْحَقِّ } أي: اليقين الذي لا يرتاب فيه { وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } بما دلت عليه هذه الآيات من علمك بها من غير معلم من البشر. ثم بإعجازها الباقي على مدى الدهر. وفي هذه القصص معتبر لهذه الأمة في احتمال الشدائد في الجهاد كما احتملها المؤمنون في الأمم المتقدمة. كما أن فيها تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار والمنافقين. فكأنه قيل: قد عرفت بهذه الآيات ما جرى على الأنبياء عليهم السلام في بني إسرائيل من الخلاف عليهم والرد لقولهم. فلا يعظمن عليك كُفر من كفر بك وخِلاف من خالف عليك لأنك مثلهم. وإنما بعث الكل لتأدية الرسالة ولامتثال الأمر على سبيل الاختيار والطوع، لا على سبيل الإكراه. فلا عتب عليك في خلافهم وكفرهم. والوبال في ذلك يرجع عليهم؛ وقوله: { وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } كالتنبيه على ذلك أشار له الرازي.

قال البقاعي: ولعل ختام قصص بني إسرائيل بهذه القصة، لما فيها للنبيّ صلى الله عليه وسلم من واضح الدلالة على صحة رسالته، لأنها مما لا يعلمه إلا القليل من حذاق علماء بني إسرائيل.

قلت: يرحم الله البقاعيّ فإنه لم يطلع على هذه القصة من التوراة، مع أنها مسوقة في الإصحاح السابع عشر من سفر صموئيل الأول ونصه: (1) وجمع الفلسطينيون جيوشهم للحرب فاجتمعوا في سُوكُوهَ التي ليهوذا ونزلوا بين سُوكُوهَ وعريقة في أفَسِ دَمَّيمَ. (2) واجتمع شاؤلُ ورجال إسرائيل ونزلوا في وادي البُطْم واصطفوا للحرب للقاء الفلسطينيين. (3) وكان الفلسطينيون وقوفاً على جبل من هنا وإسرائيل وقوفاً على جبل من هناك والوادي بينهم. (4) فخرج رجل مبارز من جيوش الفلسطينيين اسمه جُليْات من جَتَّ طوله ست أذرع وشبر. (5) وعلى رأسه خوذة من نحاس وكان لابساً درعاً حَرْشفياً ووزن الدرع خمسة آلاف شاقل نحاس. (6) وجُرْموقا نحاس على رجليه ومرزاق نحاس بين كتفيه. (7) وقناة رمحه كنول النسّاجين وسنان رمحه ست مائة شاقل حديد وحامل الترس كان يمشي قدامه. (8) فوقف ونادى صفوف إسرائيل وقال لهم: لماذا تخرجون لتصطفوا للحرب. أما أنا الفلسطينيُّ وأنتم عبيد لشاولَ. اختاروا لأنفسكم رجلاً ولينزل إليّ. (9) فإن قدر أن يحاربني ويقتلني نصير لكم عبيداً. وإن قدرت أنا عليه وقتلته تصيرون أنتم عبيداً وتخدموننا. (10) وقال الفلسطيني: أنا عيّرت صفوف إسرائيل هذا اليوم. أعطوني رجلاً فنتحارب معاً. (11) ولما سمع شاول وجميع إسرائيل كلام الفلسطينيّ هذا ارتاعوا وخافوا جداً.

السابقالتالي
2 3