الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } هذا شروع في تفصيل ما جرى بينه عليه السلام وبينهم من الأقوال والأفعال، إثر الإشارة الإجمالية إلى مصير حالهم. أي: قال لهم بعد ما أوحى إليه ما أوحى إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً أي: ملّكه عليكم. فانتهوا في تدبير الحرب إلى أمره. وكان طالوت من سبطٍ لم يكن الملك فيهم. وطالوت اسم أعجميّ كجالوت وداود. ولذلك لم ينصرف. وزعم قوم أنه عربيّ من الطول لما وصف به من البسطة في الجسم. ولكنه ليس من أبنية العرب فمنع صرفه للعلمية وشبه العجمة. وقد زعم الكتابيون أن طالوت هو المعروف عندهم بشاول. { قَالُوۤاْ } معترضين على نبيهم بل على الله تعالى: { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا } أي: من أين يكون أو كيف يكون ذلك { وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ } أي: لأن فينا من هو سبط الملوك دونه.

قال الحراليّ: فثَّنُوا اعتراضهم بما هو أشد وهو الفخر بما ادعوه من استحقاق الملك على من ملّكه الله عليهم. فكان فيه حظ من فخر إبليس حيث قال حين أُمر بالسجود لآدم:أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } [الأعراف: 12].

{ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ } أي: فصار له مانعان: أحدهما: أنه ليس من بيت الملك. والثاني: أنه مملق. والملك لا بد له من مال يعتضد به.

قال الحراليّ: فكان في هذه الثالثة فتنة استصنام المال وأنه مما يقام به ملك. وإنما الملك بإيتاء الله. فكان في هذه الفتنة الثالثة جهل وشرك، فتزايدت صنوف فتنتهم فيما انبعثوا إلى طلبه من أنفسهم.

{ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ } لما استبعدوا تملكه بسقوط نسبه وبفقره. رد عليهم ذلك أولا: بأن ملاك الأمر هو اصطفاء الله تعالى. وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم. وثانيا: بأن العمدة فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة أمور السياسة، وجسامة البدن ليعظم خطره في القلوب ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الحروب، وقد خصه الله تعالى منهما بحظ وافر. قاله أبو السعود.

{ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ } في الدنيا من غير إرث أو مال. إذ لا يشترط في حقه تعالى شيء، فهو الفعال لما يريد { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ } يوسع على الفقير ويغنيه { عَلِيمٌ } بمن يليق بالملك ممن لا يليق به. وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة.

قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية أن النبوة والإمامة لا تستحق بالإرث وأن الغنى، والصيانة من الحرف الدنيئة، لا تشترط في أمير ولا إمام ولا قاض. أي لما روى أن طالوت كان دباغاً أو سقاء مع فقره. قال الحاكم: فيبطل قول الإمامية أنها وراثة، والمعروف من قولهم: أن الإمامة طريقها النص، وتدل الآية أيضاً على أنه يشترط في الأمير ونحوه القوة على ما تولاه. فيكون سليما من الآفات عالماً بما يحتاج إليه، لأن الله تعالى ذكر البسطة في العلم والجسم رداً على ما اعتبروا.