الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ } وهم القوم ذو الشارة والتجمع { مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ } إنما نكر لعدم مقتض لتعريفه، وزعم الكتابيون أنه صموئيل { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً } أي: أقم لنا أميراً { نُّقَاتِلْ } ، أي: معه عن أمره { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } وذلك حين ظهرت العمالقة، قوم جالوت على كثير من أرضهم { قَالَ } لهم نبيهم { هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ }.

قال الزمخشري: خبر { عَسَيْتُمْ } { أَلاَّ تُقَاتِلُواْ }. والشرط فاصل بينهما. والمعنى: هل قاربتم ألا تقاتلوا. يعني هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون. أراد أن يقول عسيتم ألا تقاتلوا بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال، فأدخل هل مستفهماً عما هو متوقع عنده ومظنون، وأراد بالاستفهام التقدير وتثبيت أن المتوقع كائن وأنه صائب في توقعه كقوله تعالى:هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ } [الإنسان: 1] معناه التقرير. وقرئ " عسيتم " بكسر السين، وهي ضعيفة.

{ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ } أي: وأيّ سبب لنا في ترك قتال عدونا { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا } أي: والحال أنه قد عرض ما يوجب القتال إيجاباً قويّاً من أخذ بلادنا وسبي أولادنا { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ } بعد إلحاحهم في طلبه { تَوَلَّوْاْ } ، أي: أعرضوا عن قتال عدوهم جبناً { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } وعيد لهم على ظلمهم بالتولّي عن القتال وترك الجهاد وعصياناً لأمره تعالى.

قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة هذه الآية الكريمة أنها دلت على أحكام: الأول: وجوب الجهاد، لأن الله تعالى إنما ذكر هذه القصة المشهورة في بني إسرائيل وما نالهم تحذيرا من سلوك طريقهم. وأيضاً: شرائع من قبلنا تلزمنا. الثاني: أن الأمير يُحتاج إليه في أمر الجهاد لتدبير أمورهم. وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية أمّر عليها أميراً. قال في الكشاف: وروى أنه أمرَ الناس إذا سافروا، أن يجعلوا أحدهم أميراً عليهم. الثالث: وجوب طاعة الأمير في أمر السياسة وتدبير الحرب، لأن سياق الآية يقضي بذلك، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: " أطيعوا الأمير ولو كان عبداً حبشياً " وقد ذكر أهل علم المعاملة أنه ينبغي في الأسفار أن يجعل أهلُ السفر لهم أميراً ودليلاً وإماماً، وهذا محمود. إذ بذلك ينقطع الجدال وتنتظم أمورهم. ويلزم مثل هذا في كل أمر يحتاج فيه إلى ترداد في الآراء. نحو أمور الأوقاف والمساجد والإمامة لكل مسجد ونحو هذا. قال الحاكم: وفيه دلالة على أن للأنبياء تشديد العهود والمواثيق فيما يلزمهم، ووجه ذلك أنه قال: { هَلْ عَسَيْتُمْ } وهذا نوع من التأكيد عليهم. وكذا يأتي في الإمام قياس ما ذكر الحاكم في النبيّ.