الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ }

{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ } أي: داوموا على أدائها لأوقاتها مع رعاية فرائضها وسننها من غير إخلالٍ بشيء منها { وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ } أي: الوسطى بين الصلوات بمعنى المتوسطة أو الفضلى منها، من قولهم للأفضل: الأوسط. فعلى الأول: يكون الأمر لصلاة متوسطة بين صلاتين. وهل هي الصبح أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، أقوال مأثورة عن الصحابة والتابعين. وعلى الثاني: فهي صلاة الفطر أو الأضحى أو الجماعة أو صلاة الخوف أو الجمعة أو المتوسطة بين الطول والقصر. أقوال أيضاً عن كثيرٍ من الأعلام. والقول الأخير جيد جدّاً كما لو قيل بأنها ذات الخشوع لآية:ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } [المؤمنون: 2].

وأما علماء الأثر فقد ذهبوا إلى أن المعنيّ بالآية صلاة العصر لما في الصحيحين عن عليّ رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب وفي رواية يوم الخندق: " ملأ الله قلوبهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس " وفي رواية: " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر " وذكر نحوه وزاد في أخرى: ثم صلاها بين المغرب عن والعشاء. أخرجاه في الصحيحين ورواه أصحاب السنن والمسانيد والصحاح من طرق يطول ذكرها.

وأجاب عن هذا الاستدلال من ذهب إلى غيره بأنه لم يرد الحديث مورد تفسير الآية حتى يعينها. وإنما فيه الإخبار عن كونها وسطى، وهو كذلك لأنها متوسطة وفضلى من الصلوات.

وما رواه مسلم عن أبي يونس - مولى عائشة - قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذنَّي: { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ }. قال: فلما بلغتها آذنتها، فأملت عليّ: " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ". قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن جرير عن حفصة نحو ذلك. قال نافع: فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه الواو. وكذا روى ابن جرير عن ابن عباس وعبيد بن عمير، أنهما قرآ كذلك.

فهذا من عائشة رضي الله عنها إعلام بالمراد من الوسطى عندها. ضمّت التأويلَ إلى أصل التنزيل لأمن اللبس فيه؛ لأن القرآن متواتر مأمون أن يزاد فيه أو ينقص. وكان في أول العهد بنسخه ربما ضمّ بعض الصحابة تفسيراً إليه، أو حرفاً يقرؤه. ولذا لمّا خشى عثمان رضي الله عنه أن يرتاب في كونه من التنزيل - مع أنه ليس منه - أمر بأن تجرد المصاحف في عهده مما زيد فيها من التأويل وحروف القراءات التي انفرد بعض الصحب، وأن يقتصر على المتواتر تنزيله وتلقيّه من النبيّ صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4