الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } أي: يموتون من رجالكم { وَيَذَرُونَ } أي: يتركون { أَزْوَاجاً } بعد الموت { يَتَرَبَّصْنَ } أي ينتظرن { بِأَنْفُسِهِنَّ } في العدّة { أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } يعني عشرة أيام { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي: انقضت عدّتهن { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أي: على الأولياء في تركهنّ { فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ } من التعرّض للخطّاب والتزّين { بِٱلْمَعْرُوفِ } أي: بوجه لا ينكره الشرع. وفيه إشارة إلى أنهن لو فعلن ما ينكره الشرع، فعليهم أن يكفّوهن عن ذلك. وإلا فعليهم الجناح { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }.

اعلم أنّ في هذه الآية مسائل:

الأولى: خص، من عموم الآية، الحامل المتوفى عنها زوجها، فإن عدتها بوضع الحمل لقوله تعالى:وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [الطلاق: 4]؛ ولما في الصحيحين عن سبيعة الأسلمية: أنها كانت تحت سعد بن خولة - وهو من بني عامر بن لؤي وكان ممن شهد بدراً - فتوفى عنها في حجة الوداع وهي حامل. فلم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت من نفاسها تجمّلت للخطّاب. فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك - رجل من بني عبد الدار - فقال: ما لي أراك تجمّلت للخطّاب، لعلك ترجين النكاح؟ وإنّكِ واللهِ ما أنتِ بناكح حتى تمرّ عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت عليّ ثيابي حتى أمسيت وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك؟ فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي. وأمرني بالتزويج إن بدا لي. وفيه قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت، وإن كانت في دمها، غير أنه لا يقربها حتى تطهر.

الثانية: المراد من تربّصها بنفسها: الامتناع عن النكاح، والامتناع عن التزّين، والامتناع عن الخروج من المنزل الذي توفى زوجها فيه. فالأول مجمع عليه. والثاني: روى فيه عن أم حبيبة وزينب بنت جحش وعائشة - أمهات المؤمنين - عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوجٍ أربعة وأشهر وعشراً " متفق عليه. وعن أم سلمة " أن امرأة قالت: يا رسول الله! إنّ ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال: " لا ". كل ذلك يقول: لا. مرتين أو ثلاثاً - ثم قال: " إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكنّ في الجاهلية تمكث سنة " متفق عليه.

وعن نافع: أن صفية بنت عبد الله اشتكت عينها - وهي حادّ على زوجها ابن عمر - فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان، أخرجه مالك في الموطأ.

وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2