الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

{ فَإِنْ طَلَّقَهَا } أي: بعد التطليقتين - { فَلاَ تَحِلُّ لَهُ } - برجعة ولا بنكاح جديد - { مِن بَعْدُ } - أي: - من بعد هذا الطلاق - { حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } أي: حتى تذوق وطء زوج آخر، وهي العسيلة التي صرح بها النبيّ صلى الله عليه وسلم في نكاحٍ صحيح. وفي جعل هذا غايةً للحلّ، زجرٌ لمن له غرض مّا في امرأته عن طلاقها ثلاثاً، لأنّ كلّ ذي مروءةٍ يكره أن يفترش امرأته آخر.

فروع مهمة تتعلق بهذه الآية:

الأول: قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد: حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثاً لا تحل للأول حتى يطأها الزوج الثاني. ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: " أن امرأة رِفاعة القرظيّ جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إنّ رفاعة طلقني فبتّ طلاقي. وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظيّ، وإن ما معه مثلُ الهدبة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعلك تريدين أن ترجعي إلى رِفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " وفي سنن النسائي. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العسيلة الجماع ولو لم ينزل " ، وفيها عن ابن عمر قال: " سُئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً فيتزوجها الرجل فيغلق الباب ويرخى الستر ثم يطلقها قبل أن يدخل بها؟ قال: " لا تحلّ للأول حتى يجامعها الآخر " فتضمن هذا الحكم أموراً:

أحدها: أنه لا يقبل قول المرأة على الرجل: أنه لا يقدر على جماعها.

الثاني: أن إصابة الزوج الثاني شرط في حلها للأول، خلافاً لمن اكتفى بمجرد العقد، فإن قوله مردود بالسنة التي لا مردّ لها.

الثالث: أنه لا يشترط الإنزال بل يكفي مجرد الجماع الذي هو ذوق العسيلة.

الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل مجرد العقد المقصود - الذي هو نكاح رغبة - كافياً، ولا اتصال الخلوة به وإغلاق الأبواب وإرخاء الستور حتى يتصل به الوطء...! وهذا يدلّ على أنه لا يكفي مجرد عقد التحليل الذي لا غرض للزوج والزوجة فيه سوى صورة العقد وإحلالها للأول بطريق الأَوْلى. فإنه إذا كان عقد الرغبة المقصود للدوام غير كافٍ حتى يوجد فيه الوطء، فكيف يكفي عقد تيس مستعار ليحلها، لا رغبة له في إمساكها، وإنما هو عارية كحمار الفرس المستعار للضراب.

وقال - عليه الرحمة - قبل ذلك: وأما نكاح المحلل، ففي الترمذيّ والمسند من حديث ابن مسعود - رضي الله عنهما - قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد