الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } أي: لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية - إذا لم تقصدوا هتك حرمته - وهي التي لا يقصدها الحالف، بل تجري على لسانه عادةً من غير تعقيدٍ ولا قصدٍ إليها. كما ينبئ عن ذلك قوله تعالى:وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ } [المائدة: 89] وهو المعني بقوله عزّ وجل: { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } ، أي: تعمدته قلوبكم فاجتمع فيه، مع اللفظ، النيّة، يعني: ربط القلب به لفوات تعظيم أمره، ولهتك حرمته بنقض اليمين المقصودة.

روي عن عائشة أنها قالت: أنزلت هذه الآية في قول الرجل: لا والله، وبلى والله! أخرجه البخاريّ ومالك وأبو داود، وهذا لفظ البخاريّ.

وقد نقل ابن المنذر نحو هذا عن ابن عمر، وابن عباس، وغيرهما من الصحابة والتابعين. ولفظ رواية ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: إنما اللغو في المزاحة والهزل وهو قول الرجل: لا والله! وبلى والله! فذاك لا كفارة فيه، إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله.

ويروى في تفسير لغو اليمين: هو أن يحلف على الشيء يظنّه، ثم يظهر خلافه. ويروي: أن يحلف وهو غضبان: ويروي غير ذلك، كما ساقها ابن كثير، مسندة.

وقد ظهر - للفقير - ألا تنافي بين هذه الروايات: لأنّ كل ما لا عقد للقلب معه من الأيمان فهو لغو بأي صورة كانت وحالة وقعت. فكل ما روي في تفسير الآية فهو مما يشمله اللغو. والله أعلم.

والمراد من المؤاخذة: إيجاب الكفّارة. كما بيّن ذلك في آية المائدة:وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ } [المائدة: 89]. { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } يعني: لعباده فيما لغو من أيمانهم فلم يؤاخذهم به { حَلِيمٌ } يعني: في ترك معاجلة أهل العصيان بالعقوبة تربصاً بالتوبة. والجملة تذييل للحكمين السابقين. فائدته الامتنان على المؤمنين، وشمول مغفرته وإحسانه لهم.