الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } روى الشيخان عن جابر قال: كانت اليهود تقول: إذا أتيت المرأة من دبرها في قبلها ثمّ حملت كان ولدها أحول. قال: فأنزلت: { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ }.

وعند مسلم عن الزهريّ: إن شاء مجبيِّة، وإن شاء غير مجبية، غير أنّ ذلك في صمام واحد.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: هذه الزيادة يشبه أن تكون من تفسير الزهريّ، لخلوِّها من رواية غيره من أصحاب ابن المنكدر، مع كثرتهم.

والمجبِّية كملبِّية: المنكبة على وجهها. والصمام الواحد: الفرج.

وقوله تعالى: { حَرْثٌ لَّكُمْ } الحرث: إلقاء البذر في الأرض، هذا أصله؛ والكلام إما بحذف المضافِ، أي: مواضع حرث، أو المصدر بمعنى المفعول أي: محروثات. وإنما شُبِّهْنَ بذلك لما بين ما يلقى في أرحامهن وبين البذور من المشابهة، من حيث إنّ كلا منهما مادة لما يحصل منه. ولمّا عبّر تعالى عنهنّ بالحرث عبّر عن مجامعتهن بالإتيان كما تقدّم، فقال: { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } أي: فَأتُوهُنّ كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أيّ جهةٍ شئتم، لا تخطر عليكم جهة دون جهة. والمعنى: جامعوهن من أيّ جهةٍ شئتم ولا تبالوا بقول اليهود. وفي تخصيص الحرث بالذكر تعميم جميع الكيفيات الموصلة إليه.

قال الزمخشري: وقوله تعالى:هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ } [النساء: 222] -مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } [النساء: 222]. { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ }. من الكنايات اللطيفة، والتعريضات المستحسنة. وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة، على المؤمنين أن يتعلموها، ويتأدبّوا بها، ويتكلّفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم.

وقد ورد - في سبب نزول هذه الآية - رواية أخرى أخرجها أبو داود والحاكم عن ابن عباس قال: كان هذا الحيّ من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحيّ من يهود وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم. وكان من أمر أهل الكتاب أنّهم لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة. فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم. وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً ويتلذذون منهنّ مُقبِلات ومُدْبرات ومستلقيات. فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار. فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف. فاصنع ذلك، وإلا فاجتنبني، حتى سرى أمرهما، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله عز وجل { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد.

تنبيه

ما ذكرناه فمن الروايات هو المعوّل عليه عند المحققين.

وثمة روايات أخَرُ تدلّ على أنّ هذه الآية إنّما أُنزلت رخصة في إتيان النساء في أدبارهنّ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7