الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } أي: لا تتزوجوا الوثنيات حتى يؤمنَّ بالله تعالى.

قال ابن كثير: هذا تحريم من الله عزّ وجلّ على المؤمنين أن يتزوجوا المشركات من عبدة الأوثان. ثم إن كان عمومها مراداً، وأنّه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية، فقد خصّ من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله:وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ } [المائدة: 5].

وقد بسط العلامة الرازيّ ههنا الكلام على أنّ لفظ المشرك هل يتناول الكفار من أهل الكتاب؟ فانظره.

والتحقيق: أن المشرك لا يتناول الكتابيّ؛ لأن آيات القرآن صريحة في التفرقة بينهما. وعطف أحدها على الآخر في مثل:إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ } [البينة: 6] وسرّ ذلك، أن المشرك هو من يتدين بالشرك. أي: يكون أصل دينه الإشراك؛ والكتابيّ - وإن طرأ في دينه الشرك - فلم يكن من أصله وجوهره.

وقوله تعالى: { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ } تعليلٌ للنهي عن مواصلتهن وترغيب في مواصلة المؤمنات؛ أي: ولأمّةٌ مؤمنةٌ مع ما بها من خساسة الرقّ وقلة الخطر خيرٌ من مشركة مع ما لها من شرف الحرية ورفعة الشأن. فإن نقصان الرقيَّة فيها مجبور بالإيمان الذي هو أجلّ كمالات الإنسان { وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } أي: المشركة بحسنها ونسبها وغيرهما. فإن نقصان الكفر لا يجبر بها { وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ } - بضم التاء - من الإنكاح وهو التزويج أي: لا تزوّجوا الكفار - بأيّ كُفر كان - من المسلمات { حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ } ويتركوا ما هم فيه من الكفر { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ } مع ما به من ذلّ الرِّقيَّة { خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } بداعي الرغبة فيه الدنيوية، فإن ذهاب الكفاءة بالكفر غير مجبور بشيء منها. وأفْهَمَ هذا خيريةَ الحرّة والحر المؤمنين من باب الأولى، مع التشريف العظيم لهما بترك ذكرهما، إعلاماً بأن خيريّتهما أمرٌ مقطوع به، وأن المفاضلة إنما هي بين من كانوا يعدّونه دنّيا فشرّفه الإيمان، ومَنْ يعدّونه شريفاً فحقّره الكفران. ولذلك ذكر الموصوف بالإيمان في الموضعين ليدلّ على أنه - وإن كان دنياً - موضع التفضيل لعلوّ وصفه. وأثبت الوصف بالشرك في الموضعين مقتصراً عليه لأنه موضع التحقير وإن علا في العرف موصوفه. أفاده البقاعيّ.

ثم أشار إلى وجه الحظر بقوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ } أي: المذكورون من المشركات والمشركين { يَدْعُونَ } من يقارنهم ويعاشرهم { إِلَى ٱلنَّارِ } أي: إلى ما يؤدي إليها من الكفر والفسوق؛ فإنّ الزوجية مظنة الألفة والمحبة والمودة، وكلّ ذلك يوجب الموافقة في المطالب والأغراض، فحقهم أن لا يوالوا ولا يصاهروا..! { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ } أي: بما يأمر به على ألسنة رسله { إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ } أي: العمل المؤدّي إليهما.

السابقالتالي
2