الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } هذه الآية أول آية نزلت في الخمر، على ما قاله ابن عمر والشعبيّ ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ثم نزلت الآية التي في سورة النساء ثم نزلت الآية في المائدة.

وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذيّ عن عمر أنّه قال - لمّا نزل تحريم الخمر - قال: اللهمّ بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً! فنزلت هذه الآية التي في البقرة: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } الآية. فدُعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهمّ بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في النساءيَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [النساء: 43] فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا أقام الصلاة - نادى أن: لا يقربنّ الصلاة سكران. فدُعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في المائدة، فدُعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [المائدة: 91] قال عمر: انتهينا انتهينا.

وحقيقة الخمر ما أسكر من كلّ شيء. روى الشيخان عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كلّ مسكر خمر، وكلّ مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا ومات وهو يُدمنها لم يتب منها، لم يشربها في الآخرة ".

وأما الميسر: فهو القِمار - بكسر القاف - مصدر من يَسَر - كالموعد والمرجع من فعلهما - يقال: يَسَرْته إذا قمرته، واشتقاقه من اليُسْر لأنه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كدّ ولا تعب، أو من اليسار لأنه سلب يساره.

وصفته: أنه كانت لهم عشرة أقداح يقال لها: الأزلام والأقلام وهي:

الفذّ، والتوأم، والرقيب، والحِلْس - بكسر الحاء المهملة وسكون اللام وككَتِف - والنافس، والمُسْبِل - كُمحسِن - والمُعَلَّى - كَمُعظّم - والمنيح - كأمير، والسُفيح - بوزن ما قبله - والوغد لكلّ واحدٍ منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزّئونها عشرة أجزاء كما قاله أبو عمر أو ثمانية وعشرين جزءاً كما قال الأصمعيّ وهو الأكثر، إلا ثلاثة منها وهي المنيح والسفيح والوغد فلا أنصباء لها. وإنما يكثر بها القداح كراهة التهمة. ولبعضهم:
لِيَ في الدنيا سهام   ليس فيهن ربيح
وأساميهن: وغد   وسفيح ومنيح
فللفذّ سهم - أي: فرض واحد - وللتوأم سهمان، وللرقيب ثلاثة، وللحِلْس أربعة وللنافس خمسة، وللمسبل ستة، وللمعلّى سبعة يجعلونها في الربَّابة وهي خريطة ويضعونها على يديْ عدل ثم يجلجلها ويدخل يده فيُخرج، باسم رجلٍ رجلٍ، قدحاً منها. فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح، ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئاً وغرم ثمن الجزور كله.

السابقالتالي
2 3