الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } قال الراغب: السائل عن ذلك، قيل: أهل الشرك قصداً إلى تعيير المسلمين لما تجاوزوه من القتل في الشهر الحرام، وقيل: هم أهل الإسلام.

وقد أخرج الطبرانيّ في الكبير، والبيهقيّ في سننه، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن جندب بن عبد الله: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رهطاً، وبعث عليهم عبد الله بن جحش، فلقوا ابن الحضرميّ فقتلوه ولم يدروا أنّ ذلك اليوم من رجب أو من جمادى. فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام. فأنزل الله هذه الآية. فقال بعضهم: إن لم يكونوا أصابوا وزراً فليس لهم أجر، فأنزل الله:إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [البقرة: 218] الآية. وأخرجه ابن منده من الصحابة عن ابن عباس.

وملخّص ما ذكره الإمام ابن القيّم في زاد المعاد وابن هشام في السيرة في الكلام على هذه السرية ونزول هذه الآية: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش الأسديّ إلى نخلة في رجب على رأس سبعة عشر شهراً من الهجرة في اثنى عشر رجلاً من المهاجرين، كلّ اثنين يعتقبان على بعير، فوصلوا إلى بطن نخلة يرصدون عيراً لقريش، وفي هذه السرية سُميّ عبد الله بن جحش أمير المؤمنين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له كتاباً وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثمّ ينظر فيه. فلما سار يومين فتح الكتاب فوجد فيه: " إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بنخلة - بين مكة والطائف - فترصد بها عيراً لقريش، وتعلم لنا من أخبارهم " ، فقال: سمعاً وطاعةً! وأخبر أصحابه بذلك وبأنّه لا يستكرههم، فمن أحبّ الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، فأمّا أنا فناهض! فنهضوا كلّهم. فلما كان في أثناء الطريق أضلّ سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يتعقبانه، فتخلفا في طلبه. فَبَعُدَ عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرْت به عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارة. فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة. فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب. لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلُنّ الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على مقاتلتهم، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت نوفل فأعجزهم، ثم أقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله وقد عزلوا من ذلك الخمس - وهو أول خُمسٍ - كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام - فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوه واشتد تعييب قريش وإنكارهم ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6