الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }

{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم } أي: من الأنبياء ومَن معهم مِن المؤمنين، أي: والحال أنه لم يأتكم مثلهم بعد، ولم تبتلوا بما ابتلوا به من الأحوال الهائلة التي هي مثل في الفظاعة والشدة، سنة الله التي لا تتبدّل { مَّسَّتْهُمُ } اسستئناف وقع جواباً عما ينساق إليه الذهن، كأنه قيل: كيف كان مثلهم؟ فقيل: مسّتهم { ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ } أي: الشدائد والآلام { وَزُلْزِلُواْ } أي: أزعجوا، ممّا دهمهم من الأهوال والإفراع، إزعاجا ًشديداً شبيهاً بالزلزلة التي تكاد تهدّ الأرض وتدكّ الجبال { حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ } أي: انتهى أمرهم من الشدة إلى حيث اضطرهم الضجر إلى أن يقول الرسول - وهو أعلم الناس بشؤون الله تعالى، وأوثقهم بنصره، وداعيهم إلى الصبر - { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } - وهم الأثبت بعده، العازمون على الصبر، الموقنون بوعد النصر - { مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ } - استبطاء له، واستطالةً لمدّة الشدة والعناء - فيقال لهم: { أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } كما قال تعالى:فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح: 5-6] أي: فاصبروا كما صبروا تظرفوا..! وقد حصل من هذا الابتلاء جانب عظيم للصحابة رضي الله عنهم يوم الأحزاب، كما قال الله تعالى:إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ * هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً... } [الأحزاب: 10-12] الآيات.

وروى البخاري عن خبّاب بن الأرَتّ رضي الله عنه قال: " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردةً له في ظلّ الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: " قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشَط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصدّه ذلك عن دينه. والله! ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون..! " ".

وفي رواية:... وهو متوسدٌ بُردةً، وقد لقينا من المشركين شدة.

ولما سأل هرقل أبا سفيان: هل قاتلتموه؟ قال: نعم! قال: فكيف كانت الحرب بينكم قال: سِجالاً، يدال علينا ونُدال عليه. قال: كذلك الرسل تبتلى ثمّ تكون لها العاقبة!

وهذه الآية كآية:الۤـمۤ * أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } [العنكبوت: 1-3].