الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً } أي: وجدوا أمة واحدة تتحد مقاصدها ومطالبها ووجهتها لتصلح ولا تفسد، وتحسن ولا تسيء، وتعدل ولا تظلم؛ أي: ما وجدوا إلا ليكونوا كذلك، كما قال في الآية الأخرى:وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ } [يونس: 19] أي: انحرفوا عن الاتحاد والاتفاق، الذي يثمر كلّ خير لهم وسعادة، إلى الاختلاف والشقاق المستتبع الفساد وهلاك الحرث والنسل، ولما كانوا لم يخلقوا سدىً مّنّ الله عليهم بما يبصّرهم سبيل الرشاد في الاتحاد على الحق من بعثة الأنبياء، وما نزل معهم من الكتاب الفصل، كما أشارت تتمة الآية { وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ } الذين رفعهم على بقية خلقه فأنبأهم بما يريد من أمره، وأرسلهم إلى خلقه { مُبَشِّرِينَ } لمن آمن وأطاع { وَمُنذِرِينَ } لمن كفر وعصى { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ } أي: كلامه الجامع لما يحتاجون إليه في باب الدين على الاستقامة والهداية التامة لكونه متلبساً { بِٱلْحَقِّ } من جميع الوجوه { لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } من الاعتقادات والأعمال التي كانوا عليها قبل ذلك أمة واحدة، فسلكوا بهم، بعد جهدٍ، السبيلَ الأقومَ، ثم ضلوا على علمٍ بعد موت الرسل، فاختلفوا في الدين لاختلافهم في الكتاب.

{ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ } أي: الكتاب الهادي الذي لا لبس فيه، المنزل لإزالة الاختلاف { إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ } أي: علموه فبدّلوا نعمة الله بأن أوقعوا الخلاف فيما أنزل لرفع الخلاف. ولم يكن اختلافهم لالتباس عليهم من جهته بل { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ } - أي: الدلائل الواضحة - { بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي: حسداً وقع بينهم { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالكتاب { لِمَا ٱخْتَلَفُواْ } أي: أهل الضلالة { فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ } أي: للحق الذي اختلفوا فيه. وفي إبهامه أولاً، وتفسيره ثانياً، ما لا يخفى من التفخيم، { بِإِذْنِهِ } أي: بتيسيره ولطفه، { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }. تقرير لما سبق.

وفي صحيح مسلم عن عائشة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان - إذا قام من الليل يصلي - يقول: " اللهم ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل! فاطر السماوات والأرض! عالمَ الغيب والشهادة! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم..! " ".