الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

{ هَلْ يَنظُرُونَ } أي: ينتظرون، فنظر كانتظر، يقال: نظرته وانتظرته إذا ارتقبت حضوره. وهذا الاستفهام إنكاريٌ في معنى النفي، أي: ما ينتظرون بما يفعلون من العناد والمخالفة في الامتثال بما أمروا به، والانتهاء عما نهوا عنه - بعد طول الحلم عنهم { إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } جمع ظلّة - كقلل في جمع قلّة - أي: في ظِلّة داخل ظلّة - وهي ما يستر من الشمس، فهي في غاية الإظلام والهول والمهابة لِما لَها من الكثافة التي تغمّ على الرائي ما فيها { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ } - عطف على الاسم الجليل - أي: ويأتي جنده الذين لا يعلم كثرتهم إلا هو. هذا، على قراءة الجماعة. وعلى قراءة أبي جعفر، بالخفض. فهو عطف على { ظُلَلٍ } أو { ٱلْغَمَامِ } { وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي: أتم أمر إهلاكهم وفرغ منه.

قال الراغب: نبّه به على أنّه لا يمكن تلافي الفارط...! وهو عطف على { يَأْتِيَهُمُ } داخل في حيّز الانتظار. وإنما عدل إلى صيغة الماضي دلالة على تحققه، فكأنّه قد كان. أو جملة مستأنفة جيء بها إنباء عن وقوع مضمونها. { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } أي: فمن كانوا نافذي الملك والتصرف في الدنيا، فإنّ ملكهم وتصرّفهم مستردّ منهم يوم القيامة وراجع إليه تعالى. يقال: رجع الأمر إلى الأمير، أي: استردّ ما كان فوضه إليهم. أو عنى بـ { ٱلأُمُورُ } الأرواح والأنفس دون الأجسام، وسمّاها أموراً من حيث إنها إبداعات مشار إليها بقوله:أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [الأعراف: 54]. فهي من الإبداع الذي لا يمكن من البشر تصوره؛ فنبه أن الأرواح كلها مرجوعه إليه وراجعة؛ وعلى نحو ذلك قال:كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [الأعراف: 29]. ويكون رجوعها إمّا بربح وغبطة، وإمّا بندامة وحسرة. قاله الإمام الراغب.

قال أبو مسلم: إنه تعالى قد ملّك كلَّ أحد في دار الاختبار والبلوى أموراً، امتحاناً. فإذا انقضى أمر هذه الدار ووصلنا إلى دار الثواب والعقاب كان الأمر كلّه لله وحده. وإذا كان كذلك فهو أهل أن يُتقى ويطاع ويدخل في السلم - كما أمر - ويحترز عن خطوات الشيطان كما نهى.

وقد قرئ في السبع { تُرْجَعُ } بضمّ التاء بمعنى تُردّ، وبفتحها بمعنى تصير، كقوله تعالى:أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } [الشورى: 53].

قال القفال: والمعنى في القراءتين متقارب؛ لأنها ترجع إليه تعالى، وهو سبحانه يرجعها إلى نفسه بإفناء الدنيا وإقامة القيامة.

تنبيهان

الأول: لهذه الآية أشباه ونظائر تدلّ على أنّ هذا الوعيد أخرويّ.

ولذا قال ابن كثير في معنى الآية: يقول تعالى مهدداً للكافرين بمحمدٍ صلوات الله وسلامه عليه: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ } يعني: يوم القيامة لفصل القضاء بين الأولين والآخرين، فيجزى كلّ عاملٍ بعمله: إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرٌّ.

السابقالتالي
2 3 4