الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ }

{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ }: انصرف عمّن خدعه بكلامه - { سَعَىٰ } - مشى - { فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا } بإدخال الشبه في قلوب المسلمين، وباستخراج الحيل في تقوية الكفر، وهذا المعنى يسمىّ فساداً، كقوله تعالى - حكايةً عن قوم فرعون:أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [الأعراف: 127 ]. أي: يردّوا قومك عن دينهم ويفسدوا عليهم شرعتهم؛ وسمّى هذا المعنى فساداً لأنه يوقع الاختلاف بين الناس، ويفرق كلمتهم، ويؤدي إلى أن يتبرأ بعضهم من بعض، فتنقطع الأرحام، وتنسفك الدماء. وهذا كثير في القرآن المجيد. { وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ } أي: الزرع. { وَٱلنَّسْلَ } أي: المواشي الناتجة.

قال بعض المحققين: إنّ إهلاك الحرث والنسل كناية عن الإيذاء الشديد، وإن التعبير به عن ذلك صار من قبيل المثل؛ فالمعنى: يؤذي مسترسلاً في إفساده ولو أدّى إلى إهلاكِ الحرث والنسل.

{ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } أي: لا يرضى فعله.

قال الراغب: إن قيل: كيف حكم تعالى بأنه لا يحب الفساد وهو مفسد للأشياء؟ قيل: الإفساد في الحقيقة: إخراج الشيء عن حالةٍ محمودة لا لغرضٍ صحيح، وذلك غير موجود في فعل الله تعالى، ولا هو آمرٌ به، ولا محبٌ له، وما يُرَى من فعله ويظهر بظاهره فساداً فهو بالإضافة إلينا واعتبارنا له كذلك. فأمّا بالنظر الإلهي فكله صلاح، ولهذا قال بعض الحكماء: يا من إفساده إصلاح! أي: ما نظنه إفساداً - لقصور نظرنا ومعرفتنا - فهو في الحقيقة إصلاح؛ وجملة الأمر: إنّ الإنسان هو زبدة هذا العالم وما سواه مخلوق لأجله، ولهذا قال تعالى:هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ } [البقرة: 29]. والمقصد من الإنسان سوقه إلى كماله الذي رسخ له، فإذن: إهلاك ما أمر بإهلاكه، لإصلاح الإنسان وما منه أسباب حياته الأبدية. ولشرح هذه الجملة موضع آخر.