الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

{ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } هي أيام التشريق، قاله ابن عباس رضي الله عنه.

وروى الإمام مسلم عن نبيشة الهذليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله " وقال عكرمة: معنى هذه الآية: التكبير في أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات: الله أكبر! الله أكبر!

وروى البخاري عن ابن عمر: أنه كان يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، وفي مجلسه، وفي ممشاه في تلك الأيام جميعاً. وفي رواية: أنه كان يكبر في قبته فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى - أخرجه البخاريّ تعليقاً.

ومن الذكر في هذه الأيام التكبير مع كلّ حصاة من حصى الجمار كلّ يومٍ من أيام التشريق. فقد ورد في الصحيح: " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كبّر مع كلّ حصاة ".

وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: " إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عزّ وجل ".

وروى مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد أنّه بلغه أنّ عمر بن الخطاب خرج الغدَ من يوم النحر حين ارتفاع النهار شيئاً. فكبّر، فكبّر الناس بتكبيره. ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبّر، فكبّر الناس بتكبيره. ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمس فكبّر، فكبّر الناس بتكبيره حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت فيعلم أنّ عمر قد خرج يرمي.

ثم قال مالك: والتكبير في أيام التشريق على الرجال والنساء - من كان في جماعة أو وحده - بمنى أو بالآفاق كلّها واجب.

ثم قال: الأيام المعدودات أيام التشريق.

وفي القاموس وشرحه: التشريق تقديد اللحم، ومنه سميت أيام التشريق وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، لأنّ لحوم الأضاحي تشرق فيها أي: تشرَّر في الشمس - حكاه يعقوب. وقيل: سميت بذلك لقولهم: أشرق ثبير كيما نغير؛ أو لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس - قاله ابن الأعرابيّ. قال أبو عبيد: وكان أبو حنيفة يذهب بالتشريق إلى التكبير، ولم يذهب إليه غيره.

{ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } أي: فمن تعجل النفر الأول من هذه الأيام الثلاثة، فلم يمكث حتى يرمي في اليوم الثالث، واكتفى برمي الجمار في يومين من هذه الأيام الثلاثة، فلا يأثم بهذا التعجيل. وإيضاحه: أنه يجب على الحاج المبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من ليالي أيام التشريق، ليرمى كلّ يومٍ بعد الزوال إحدى وعشرون حصاة. يرمى عند كلّ جمرة سبع حصيات. ثم من رمى في اليوم الثاني وأراد أن ينفر ويدع البيتوتة الليلة الثالثة ورمى يومها، فذلك واسع له { وَمَن تَأَخَّرَ } أي: حتى رمى في اليوم الثالث وهو النفر الثاني { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } في تأخّره، واعلم: السنة هو التأخر، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يتعجل في يومين، بل تأخّر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة، ولا يقال هذا الفظ - أعني { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } - إنما يقال في حقّ المقصّر لا في حقّ من أتى بتمام العمل، لأنّا نقول: أتى به لمشاكلة اللفظ الأول كقوله:

السابقالتالي
2