الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } أي: أدّوهما تامّين بمناسكهما المشروعة لوجه الله تعالى.

قال الراغب: قيل: { أَتِمُّواْ } خطاب لمن خرج حاجاً أو معتمراً، فأمر ألا يصرف وجهه حتى يتمهما. وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله. واحتجّ به في وجوب إتمام كلّ عبادة دخل فيها الإنسان متنفلاً، وأنه متى أفسدها وجب قضاؤها. وقيل: إنه خطاب لهم ولمن لم يتلبس بالعبادة. وذكر لفظ الإتمام تنبيه على توفية حقها وإكمال شرائطها. وعلى هذا قوله تعالى:ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ } [البقرة: 187] وإلى هذا ذهب الشافعيّ رحمه الله واحتجّ به في وجوب العمرة. وإنما قال في الحجّ والعمرة { للَّهِ } ولم يقل ذلك في الصلاة والزكاة، من أجل أنهم كانوا يتقربون ببعض أفعال الحجّ والعمرة إلى أصنامهم: فخصهما بالذكر لله تعالى حثّاً على الإخلاص فيهما، ومجانبة ذلك الاعتقاد المحظور.

{ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } أي: حبسكم عدوّ عن إتمام الحجج أو العمرة وأردتم التحلل { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } أي: فعليكم، أو فالواجب، أو فأهدوا ما استيسر؛ يقال: يسرُ الأمر واستيسر كما يقال: صَعُب واستصعب؛ و { ٱلْهَدْيِ } بتخفيف الياء وتشديدها جمع هَدْية وهَدِيّة. وهو: ما أهدي إلى مكة من النعم لينحر تقرباً به إلى الله. قال ثعلب: الهدي، بالتخفيف، لغة أهل الحجاز. وبالتثقيل، على فعيل، لغة بني تميم وسفلى قيس. وقد قرئ بالوجهين جميعاً في الآية. وشاهد الهديّ مثقلاً من كلامهم قول الفرزدق:
حَلَفتُ بربّ مكة والمصَلَّى   وَأَعنَاقِ الهديِّ مقلّدَاتِ
وشاهد الهدية كذلك قول ساعدة بن جُؤَيَّّة:
إني وأيديهم وكل هدية   مما تثج له ترائب تثعب
وأعلى الهدي بدنة، وأدناه شاة. والمعنى: أن المحرم إذا أُحصر وأراد أن يتحلل، تحلل بذبح هدي تيسر عليه: من بدنة أو بقرة أو شاة.

تنبيه

قال الراغب: ظاهر قوله تعالى: { أُحْصِرْتُمْ } أنه لا فرق فيه بين أن يحصر بمكة أو بغيرها. وبعد عرفة أو قبلها. وكذلك لا فرق في الظاهر بين أن يحصره عدوّ مسلم أو غيره. وظاهره يقتضي أنه لا فضل بين إحصار العدوّ وإحصار المرض، لولا أن الآية نزلت في سبب العدوّ فلا يجوز أن تتعدى إلا بدلالة، ولأن قوله: { فَإِذَآ أَمِنتُمْ } يدلّ على أن المراد بالإحصار هو بالعدوّ.

وقد يقال: العبرة في أمثاله بعمومه كما ذهب إليه ثلة من السلف. فقد روى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود، وابن الزبير، وعلقمة، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، ومجاهد، والنخعي، وعطاء، ومقاتل أنهم قالوا: الإحصار من عدوّ أو مرض أو كسر. وقال الثوريّ: الإحصار من كل شيء آذاه.

وثبت في الصحيحين عن عائشة " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت: يا رسول الله! إني أريد الحجّ وأنا شاكية. فقال: " حجّي واشترطي أن محلي حيث حبستني "

السابقالتالي
2 3 4 5